لفت لويس إنريكي مدرب المنتخب الإسباني لكرة القدم أنظار العالم خلال تدريبات "اللاروخا" الأسبوع الماضي باستخدامه جهاز اتصال لاسلكي لإيصال تعليماته للاعبيه خلال التدريبات.


كل من شاهد الفيديو أُعجب بالفكرة المميزة من المدرب التي وفّرت عليه عناء إرهاق حنجرته بالصراخ المعتاد لتوجيه للاعبين، وأراحته من الاشتراك بنفسه بالتدريبات لإيصال هذه التعليمات التي قدمها من موقع مرتفع ساعده في الحصول على رؤية شاملة للتدريب.


ولكن، فقط دائرة محدودة تعرف أن هذا الجهاز الجديد ليس مجرد فكرة عابرة أخرى من أفكار إنريكي التدريبية المميزة، بل نهج تقني يحاول فرض نفسه في عالم كرة، وتقنية متكاملة تقف خلفها شركة ناشئة أسسها شباب عرب ومقرها ألمانيا، تلك الشركة وضعت منتجها بين يدي إنريكي وغيره من المدربين! وفقًا لموقع "جول" العربي.

 


جهاز بدأت قصته قبل عدة أعوام


بدأت القصة تحديدًا في عام 2018 عندما أسس شابان عربيان هما محمد عماد ملكاوي ورعد حسين شركة "Armony" بهدف بسيط هو إيجاد حل لمشكلة يعاني منها مدربو كرة القدم حول العالم وهي محدودية التواصل مع لاعبيهم، سواءً في المباريات الرسمية أو حتى في التدريبات.


ولأجل ذلك، عملت الشركة على مدار عامين على تصميم منتج ملائم في وزنه وحجمه وكفاءة استخدامه يكون مناسباً للاستخدام خلال تدريبات فرق كرة القدم، ثم أطلقت خلال العامين اللاحقين التاليين حملات تسويق متتالية مكثفة تستهدف مدربي كرة القدم في عدد من دول القارة العجوز لتجربة المنتج واختباره خلال تدريبات حية لفرقهم.


نسخة الجهاز التي استخدمها أنريكي في الفيديو الذي انتشر حديثاً، تُدعى "Artemis" وهو أصغر جهاز تكنولوجيا رياضية في كرة القدم لاستخدامات التواصل بين المدرب واللاعبين، وذلك حسب معلومات خاصة قدّمها المدير التنفيذي للشركة محمد عماد ملكاوي وكبير مسؤولي تطوير الأعمال رعد حسين.


تبلغ أبعاد الجهاز 7x3x2 سم أي أن حجمه يوازي تقريباً الحجم المعياري لمفاتيح الريموت كونترول الخاصة بالسيارات، أما وزنه فيبلغ 40 غراماً ويصل مداه إلى 1 ونصف كيلومتراً ويوضع في سترة تدريبات اللاعبين إلى جانب جهاز تتبع المواقع GPS.


يسمح الجهاز للمدربين بالتواصل مع جميع اللاعبين في نفس الوقت، أو اختيار لاعب محدد لإيصال تعليمات محددة له، إذ يحتوي على أكثر من 15 قناة مختلفة يمكن للمدرب الاختيار من بينها، ويمكن كذلك تقسيم اللاعبين لمجموعات والتواصل مع كل مجموعة على حدة، خط الدفاع، خط الوسط، خط الهجوم، الأظهرة، الأجنحة، إلخ وهكذا!


جدل متجدد 


إدخال تقنيات التواصل بين المدرب واللاعبين هو موضوع جدلي ليس بجديد جديد ويُعتبر جزءاً من الجدل الأكبر حول إدخال المزيد من التقنية التكنولوجيا في كرة القدم.


الألماني يوليان ناجلسمان أحد أكثر المتحمسين لإقحام تقنية التواصل مع اللاعبين في كرة القدم، وقد طلب ذلك علانية بقوله في سبتمبر 2021 "ملاعب كرة القدم صاخبة للغاية، لا نمتلك وقتاً مستقطعاً ككرة القدم الأمريكية ولا نمتلك سوى فترة ما بين الشوطين لنقول تعليماتنا للاعبين. علينا أن نطالب بهذا الأمر، نريد شيئاً يوضع في قمصان اللاعبين يسمح بالتواصل بين المدربين ولاعبيهم".


ربما لا يُشارك الجميع ناجلسمان حماسه للأمر، ففي كل خطوة جديدة تقتحم فيها مزيد من التكنولوجيا عالم كرة القدم تتعالى الأصوات المعارضة لأسباب عديدة تتلخص غالباً في سبب واحد وهي أنها تقتل جمال اللعبة وتحرمها من الجزء الإنساني المرتبط بها.


نستذكر في هذا السياق على سبيل المثال الآراء المعارضة لإدخال تقنية الفيديو في تحكيم كرة القديم من عديد اللاعبين مثل كيفن دي بروينة وجانلويجي بوفون وجيمس ميلنر بجانب يورجن كلوب وبيب جوارديولا وغيرهما من المدربين.


الأسماء المذكورة أجمعت على الفوضى التي تسبب بها الـVAR بتأثيره على ديناميكية اللعبة وعفويتها، وكيف أفسدت توقفاتها الطويلة حماس الجماهير، بجانب الأخطاء التي ترافقها وتأثيرها على مستوى الذهني الحكام وعلى كفاءتهم بشكل عام.


لكن تقنية التواصل بين المدربين أمر يختلف عن الـVAR وعن تقنية خط المرمى وغيرها من التقنيات الأخرى بأنها لا تتداخل مع هذه العناصر الإنسانية التي تمثل القيم الأساسية لكرة القدم، ويُعبر محمد عماد ملكاوي المدير التنفيذي لـ Armony عن الأمر بقوله "نؤمن تماماً بأن التكنولوجيا بإمكانها أن تجعل كرة القدم أفضل وأجمل مما هي عليه وأنها تزيد من إيجابياتها وتحد من سلبياتها".


تابع "لا نعتقد أن تقنيتنا ستسبب جدلاً أو تغييراً في اللعبة، فالتواصل بين المدرب ولاعبيه أمر مسموح به في كرة القدم ونحن فقط نسعى لتقديم حلول أفضل لتحسين آلية التواصل، وجميعنا رأينا كيف أن العديد من المدربين يقومون بكتابة التعليمات على قصاصة ورقية خلال المباريات وإرسالها للاعبين داخل الملعب، وهذا دليل على أهمية هذه التعليمات وعدم قدرة المدرب حالياً على إيصالها شفهياً".


بايرن ميونيخ، برشلونة، وأبعد من ذلك!


تصريحات ناجلسمان تجعل حقيقة أنه أحد أول المدربين الذين بدأوا باستخدام جهاز شركة Armony في تدريبات بايرن ميونيخ أمراً منطقياً وغير مستغرب أبداً، وقد استلم مؤخراً تشافي هيرنانديز مدرب برشلونة شحنة كاملة من هذه الأجهزة وسيبدأ باستخدامها قريباً في تدريبات الفريق الكاتالوني.


ربما عارض جوارديولا وكلوب وغيرهما من المدربين تقنية الفيديو لكن قد لا يكون لديهما نفس النظرة السلبية تجاه تقنية التواصل بين المدربين واللاعبين، فهما من المدربين الذين يحرصون على إعطاء تعليمات دقيقة ومستمرة لكل لاعب على حدة وتوجيهه لما يجب عليه القيام به من تحركات تكتيكية وأدوار فنية على أرض الملعب، حالهم كحال أنطونيو كونتي ودييغو سيميوني وغيرهما.


ومع أن هناك مدرسة أخرى من المدربين تعتمد على رسم الخطوط العريضة للاعبين وترك حرية أكبر لهم لاجتهاد على أرض الملعب كالإيطالي ماسيمليانو أليجري ومواطنيه كارلو أنشيلوتي وماوريسيو ساري، إلا أن هذه التقنية ستطرق أبوابهم جميعاً كما ينوي القائمون عليها.


أما أبعد من ذلك، فهو السعي نحو تغيير قوانين الفيفا للسماح باستخدام التقنية في المباريات الرسمية وأن لا يتقصر الأمر على التدريبات التي يمتلك المدربون فيها حرية استخدام ما يحلو لهم من تقنيات وأساليب تدريبية.


"بدأنا بالفعل الحوار مع الفيفا بشأن استخدام هذه التقنية في المباريات الرسمية ويمكننا أن نقول إن هناك بوادر إيجابية لهذا الحوار" يقول محمد عماد ملكاوي، ويضيف "لا ينظر الناس إلى تقنية التواصل بين الحكم الرئيسي ومساعديه والحكم الرابع بمنظور سلبي رغم أنها تستخدم منذ سنوات طويلة، ونرى أن الأمر ذاته ينطبق على التواصل بين المدربين واللاعبين بما ينعكس إيجاباً على اللعبة"


هل تضيف الفيفا بنداً جديداً في "برنامج الابتكار"؟


إلى جانب تقنية خط المرمى (GLT) التي تم اعتمادها للاستخدام رسمياً في عام 2012، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم موافقته على تطبيق تقنية التسلل النصف آلية خلال منافسات كأس العالم في قطر 2022 بعد أن تم اختبارها في ثلاث بطولات تابعة للفيفا سابقاً.


تستخدم هذه التقنية 12 كاميرا مثبتة في سقف الاستاد لتتبع حركة الكرة وما يقارب 29 نقطة بيانات تعمل بسرعة 50 مرة في الثانية مخصصة لكل لاعب في أرضية الميدان، من أجل احتساب الموقف الدقيق الذي يتواجد فيه اللاعبون.


ويبرز مدى تطور هذه التقنية وتكلفتها في أن للكرة الرسمية لكأس العالم دور جوهري فيها لكشف حالات التسلل الصعبة، إذ ستُزوَّد بمستشعر وحدة القياس بالقصور الذاتى ليرسل كل بيانات حركة الكرة إلى غرفة عمليات الفيديو بسرعة تُقدّر بـ500 مرة في الثانية، ما سيتيح معرفة مكان ركلها بدقة لا متناهية.


ومن هذا المنظور التقني العملاق قد لا يكون السماح بتقنية التواصل بين المدرب واللاعبين أمراً مستبعداً خصوصاً إذا وافق المعايير الخاصة ببرنامج الابتكار الذي أطلقه الفيفا في نهاية عام 2020 والذي يهدف لإنشاء مسار واضح ومبسط للمنتجات والتقنيات الجديدة المطلوب الموافقة عليها من الفيفا.


سبب آخر قد يدفع الفيفا واليويفا والاتحادات المنظمة للعبة بالسماح بالتقنية كشف عنه رعد حسين كبير مسؤولي تطوير الأعمال في Armony بقوله "نعمل حالياً على إنتاج النسخة الجديدة من آرتيميس Artemis والتي سيكون فيها خصائص جديدة لن نستطيع أن نتحدث عنها الآن ولكنها ستحمل نقلة نوعية وإضافات جديدة ستلفت اهتمام الكثير من العاملين في كرة القدم".


نرجح أن تكون هذه التقنيات الجديدة تتعلق بدمج تقنيات تتبع العلامات الحيوية للاعبين في الجهاز للحصول على المزيد من البيانات والإحصائيات الهامة حول أدائهم الفني والبدني وحالاتهم الصحية لأغراض وقائية.


وما بين مؤيد ومعارض، تستمر التكنولوجيا في غزو كرة القدم لتبشر بحقبة جديدة ستختلف ملامحها في الأعوام القادمة بلا شك عما سبقها في التاريخ المجيد للعبة الأكثر شعبية على مستوى كوكب الكرة الأرضية.