كشف باحثون أن الحرمان من النوم أو التغير في عادات النوم الطبيعي يمكن أن يكون أحد الأسباب الدافعة للأفراد للتراجع عن قرارهم لمساعدة المحتاجين. وتُظهر الدراسة، التي نشرت يوم الثلاثاء 23 أغسطس في مجلة الوصول المفتوح PLOS Biology، أن هذا السلوك مرتبط بانخفاض النشاط في الشبكة المعرفية الاجتماعية الإيجابية للدماغ.

 

وأظهر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن الحرمان من النوم يضعف النشاط في شبكة الدماغ الإدراكية الاجتماعية المعروفة بأنها أكثر نشاطًا أثناء السلوكيات الاجتماعية المؤيدة. بشكل عام، كان هذا الضعف في نشاط الدماغ الاجتماعي الإيجابي مرتبطًا برغبة أقل في مساعدة الآخرين وفقًا للتجارب التي أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. كما ارتبطت أيضًا بانخفاض احتماليات المبادرة بمساعدة الآخرين ماديًا (مثل تقديم التبرعات) بعد فقدان ساعة واحدة من النوم.

 

أشارت الدراسات السابقة إلى أن قلة النوم مرتبطة بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والاكتئاب والسكري وارتفاع ضغط الدم والوفيات بشكل عام. وتظهر هذه النتائج الجديدة أن قلة النوم تضعف أيضًا ضميرنا الاجتماعي، مما يجعلنا نتراجع عن رغبتنا في مساعدة الآخرين. وتضيف نتائج الدراسة الجديدة إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تثبت أن النوم غير الكافي لا يضر فقط بالصحة العقلية والجسدية للفرد، ولكن أيضا يعرض للخطر الروابط بين الأفراد، وحتى مشاعر الإيثار لأمة بأكملها.

 

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، إيتي بن سيمون، أستاذ علم النفس بجامعة كاليفورنيا في بيركلي إنه على مدار العشرين عامًا الماضية، اكتشف هو وفريقه ارتباطًا وثيقًا للغاية بين صحة نومنا وصحتنا العقلية، يقول بن سيمون: "في الواقع، لم نتمكن من اكتشاف حالة نفسية رئيسية واحدة يكون فيها النوم أمرًا طبيعيًا". وأضاف بن سيمون في تصريح لـ"العربي الجديد" أن نتائج الدراسة الجديدة توضح أن قلة النوم لا تلحق الضرر بصحة الفرد فحسب، بل تقوض التفاعلات الاجتماعية بين الأفراد. علاوة على ذلك، تقوض نسيج المجتمع البشري نفسه. يقول: "بدأنا نرى المزيد والمزيد من الدراسات، بما في ذلك هذه الدراسة، حيث لا تتوقف آثار قلة النوم عند الفرد فحسب، بل تنتشر لمن حولنا". ووفقًا للمؤلف الرئيس للدراسة، فإنه في حالة عدم حصول الفرد على قسط كاف من النوم، فإن هذا لا يضر فقط برفاهيته، بل يضر برفاهية دائرته الاجتماعية بأكملها، بما في ذلك الغرباء المتعاملون معه.

 

قيمت الدراسة تأثير قلة النوم على استعداد الناس لمساعدة الآخرين. وضع العلماء 24 متطوعًا يتمتعون بصحة جيدة في جهاز تصوير وظيفي بالرنين المغناطيسي (fMRI) لفحص أدمغتهم بعد ثماني ساعات من النوم وبعد ليلة من عدم النوم. ووجدوا أن مناطق الدماغ التي تشكل شبكة العقل، والتي تتفاعل عندما يتعاطف الناس مع الآخرين أو يحاولون فهم رغبات واحتياجات الآخرين، كانت أقل نشاطًا بعد ليلة بلا نوم. في مرحلة لاحقة، تتبع الباحثون أكثر من 100 شخص عبر الإنترنت خلال ثلاث أو أربع ليال. خلال ذلك الوقت، قاس الباحثون جودة نومهم، كم من الوقت ينامون، وكم مرة استيقظوا، ثم قيموا رغبتهم في مساعدة الآخرين، مثل فتح باب المصعد لشخص آخر، أو التطوع أو مساعدة جريح غريب في الشارع.

 

واستطرد بن سيمون: "وجدنا هنا أن انخفاض جودة نوم شخص ما من ليلة إلى أخرى ينبئ بانخفاض كبير في الرغبة في مساعدة الآخرين من يوم تال إلى اليوم الذي يليه. أولئك الذين يعانون من قلة النوم في الليلة السابقة هم من أفادوا بأنهم أقل استعدادًا وحرصًا على مساعدة الآخرين في اليوم التالي".