يبدو أن الزيارة الأخيرة لقائد الانقلاب إلى ألمانيا وفرنسا قد جاءت بنتائجها السلبية سريعًا على ملف حقوق الإنسان في مصر، ومن الواضح أن قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي استطاع إقناع الدول الغربية بتصوره الخاص عن ملف حقوق الإنسان، أو إن شئت الدقة فقل ساومهم ليخففوا الضغوط عن مصر في مقابل حصولهم على الغاز المصري، في ظل أكبر أزمة تعيشها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

انتهاكات السجون المصرية

وفي الوقت الذي وثّق فيه مركز "النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب"، على مدى ستة أشهر مضت من العام الحالي، 732 انتهاكًا في السجون ومقار الاحتجاز الرسمية في مصر، من بينها 21 وفاة يمكن البتّ بأن معظمها نتيجة الإهمال الطبي.

ونظرًا إلى أوضاع السجون المزرية وافتقارها إلى مقوّمات الحياة الصحية، قال أحد المسئولين في وزارة الخارجية إن "الحكومة المصرية ماضية في اتخاذ الإجراءات التي من شأنها أن تعالج السلبيات التي قد تحدث في حقوق الإنسان".

حديث المسؤول المصري أيّده دبلوماسي سابق عمل سفيرًا لدى دول غربية، ورأى أن "النظام المصري نجح بالفعل في إسكات صوت الغرب في ما يتعلق بملف حقوق الإنسان، بعد أن كان عاليًا، ولكن ليس لأسباب موضوعية داخلية في مصر، تقوم على أساس معالجة مشاكل حقوق الإنسان في البلاد، ولكن لأسباب أخرى تخص الغرب نفسه، والذي يجد الآن نفسه في موقف ضعيف يحتاج فيه إلى دعم دولي، خصوصًا مع تفاقم أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وتبعاتها التي أضرت بالعالم بوجه عام والدول الأوروبية بشكل خاص".

وأوضح الدبلوماسي السابق أن "أكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة، ورئيسها جو بايدن الذي كان من أشد المنتقدين لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، تحت حكم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، يظهر الآن وكأنه نسي مواقفه وتصريحاته في 13 يوليو 2020، أي قبل عامين، والتي أشار فيها إلى السيسي خلال إحدى تغريداته قال فيها: لا مزيد من الشيكات على بياض للديكتاتور المفضل لـترامب".

وأشار الدبلوماسي السابق إلى "خلو التصريحات الأمريكية التي خرجت أثناء زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط وبعدها، وفي أعقاب لقائه بالسيسي، على هامش قمة جدة (عُقدت في 16 يوليو الحالي)، من أي انتقادات واضحة لتعامل النظام المصري مع المعارضين أصحاب الرأي الذين يقبعون خلف أسوار السجون منذ أعوام من دون تهم واضحة".

وأضاف أن البيان الأمريكي المصري المشترك الذي صدر عقب لقاء الرئيسين: "اكتفى بالإشارة إلى تأكيد الرئيسين التزامهما المتبادل بإجراء حوار بناء حول حقوق الإنسان، وأنه جزء لا يتجزأ من الشراكة القوية بين الولايات المتحدة ومصر. وقالا إنهما سيواصلان التشاور عن كثب بشأن ضمان تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجالات السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو ما يؤكد تراجع مسألة حقوق الإنسان في مصر بقائمة أولويات الإدارة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط".

واعتبر الدبلوماسي السابق أن "حاجة الولايات المتحدة الآن إلى حشد أكبر عدد من الحلفاء في مواجهة روسيا في حربها مع أوكرانيا، دفعها إلى التنازل عن بعض المعايير التي أكدت الالتزام بها، ومنها قضية حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى أن "مصر بوضعها الإقليمي، حليف مهم في الوقت الحالي بالنسبة للولايات المتحدة، ولذلك تسعى واشنطن إلى بناء علاقات إيجابية معها".

وأضاف أن "الموقف الأمريكي من النظام المصري والخاص بقضية حقوق الإنسان، ينسحب أيضًا على الدول الأوروبية، التي بات واضحًا أنها خففت من انتقاداتها لنظام السيسي بسبب ملف حقوق الإنسان".

وأوضح الدبلوماسي السابق أن "الشواهد عديدة على ذلك، ومنها لقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بنظيره المصري، في لقاء غير مجدول أعماله، في باريس، الجمعة الماضية، في ظل مطالبات لجمعيات حقوق الإنسان بالإفراج عن المدون علاء عبد الفتاح، أحد رموز الثورة المصرية عام 2011، والذي يقضي حكمًا بالسجن خمس سنوات".

ورأى أن ماكرون "تجاهل هذه المطالبات في ظل حاجة فرنسا وأوروبا بشكل عام لخدمات النظام المصري، وعلى رأسها موضوع الطاقة والغاز الطبيعي".

ودلل على ذلك بالإشارة إلى أن "موضوع الغاز كان الموضوع رقم واحد على طاولة مباحثات السيسي وماكرون المغلقة في باريس، لذلك توارت القضايا الأخرى الأقل أهمية بالنسبة للغرب، مثل قضية حقوق الإنسان".

وأوضح أن "عين الدول الأوروبية الآن، على الفائض والاحتياطي المصري من الغاز الطبيعي، لتعويض الفاقد من الغاز الروسي، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية"، مضيفًا أن "فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية تأمل في الحصول على الغاز المصري من دون دفع مقابل مالي، ولكن مقابل صفقات تجارية وعسكرية".

التخلص من الضغط الغربي

زيارة قائد الانقلاب إلى باريس سبقتها زيارة رسمية إلى ألمانيا، وهي الزيارة التي خلت أيضًا، بحسب الدبلوماسي السابق، من أي "انتقاد تم توجيهه إلى الرئيس المصري في ملف حقوق الإنسان، وذلك على الرغم من أن ألمانيا كانت من أشد الدول انتقادًا للنظام المصري في هذا الملف. واكتفت التصريحات الألمانية الرسمية بالإشارة إلى لقاء المستشار الألماني أولاف شولتز مع السيسي في برلين. والتركيز على مواضيع محادثاتهما حول المناخ، وتأثير الحرب الروسية ضد أوكرانيا على إمدادات الطاقة والغذاء العالمية، والوضع في ليبيا، مع الإشارة إلى موضوع حقوق الإنسان وربطه بالتنمية".

أما بالنسبة إلى إيطاليا، والتي ارتبطت مع مصر بعلاقات معقدة للغاية بسبب قضية مقتل الباحث جوليو ريجيني، فأكد الدبلوماسي نفسه أن "حكم محكمة النقض بإيطاليا، في 16 يوليو، برفض محاكمة 4 مسؤولين بأجهزة أمنية مصرية، بتهمة خطف وتعذيب ريجيني، والذي كتب فصل النهاية في الشق القانوني من القضية، يثبت أيضًا أن الضغوط الغربية على النظام المصري في ملف حقوق الإنسان خفت للغاية، وتراجعت مقابل المصالح المادية".

أما رئيسة مكتب الشرق الأوسط لـ"مراسلون بلا حدود"، صابرينا بنوي، فاعتبرت أن "التعاون مع دولة مثل فرنسا، يجب أن يكون مشروطًا باحترام حقوق الإنسان، وأن الإفراج عن علاء عبد الفتاح سيكون بادرة قوية من جانب السلطات المصرية".

وأشارت إلى أنه في 16 يوليو الحالي، التقى السيسي بنظيره الأمريكي في السعودية. وبعد هذا الاجتماع، تم الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين المصريين، لكن لم يتم الإفراج عن علاء عبد الفتاح.

وأضافت: "إذا كانت قضية علاء عبد الفتاح رمزية، فلا يجب أن ننسى عشرين صحافيًا لا يزالون مسجونين في مصر، ومعظمهم رهن الاعتقال الوقائي، من دون محاكمة أو إدانة". وأشارت إلى أن مصر "احتلت المرتبة 168 من أصل 180 في عام 2022 في ترتيب مراسلون بلا حدود لحرية الصحافة".