مع اقتراب عيد الأضحى شهدت أسعار اللحوم، ارتفاعًا جديدًا وكبيرًا في الأسواق الشعبية، ومحال الجزارة، بل إنها مرشحة للزيادة مع اقتراب عيد الأضحى، وهو ما يمس ملايين الفقراء الذين يمثل لهم العيد الموسم السنوي لشراء اللحوم أو الحصول عليها من أصحاب الأضاحي.

وأعلنت الغرفة التجارية 4 يونيو 2022، عن ارتفاع أسعار الأضاحي الحية لتصل إلى حوالي 30% بموسم عيد الأضحى، وذلك بفعل تأثير الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير الماضي، وتسببت في ارتفاع أسعار الحبوب والأعلاف، وتفاقم أسعار الدولار ليبلغ رسميا 18.74 جنيه.

"ضعف القدرة الشرائية"

ارتفاع أسعار الأضاحي يمس فئة من المصريين هي القادرة على شراء الأضاحي وتنفيذ الشعيرة الإسلامية التي تمثل لكثير من المصريين أمرًا وجوبيًا؛ ويؤثر بالتالي وبشكل مباشر على قدرتهم الشرائية، وعلى دورهم في خدمة مجتمع تبلغ فيه نسب الفقر 60%، وفقًا لتقرير البنك الدولي مايو 2019.

وهنا يقول تاجر المواشي والجزار مصطفى عبدالسلام، إن "ذلك الارتفاع في الأسعار يدفع الراغبين في ذبح الأضاحي إلى تقليل نصيبهم من الأضحية التي يتشاركون فيها، فبدلًا من أن يتشارك 4 في جمل أو عجل، يتشارك 5 و6 أفراد، لتقليل التكلفة التي تصل إلى ما بين 7 إلى 9 آلاف جنيه للمضحي".

ويضيف إن "ذلك يؤثر بلا شك على نسبة اللحوم التي يوزعها المضحون على الفقراء والمحتاجين يوم العيد، حيث تقل الكمية المخصصة للتوزيع، وهو ما يتزامن مع ارتفاع سعر اللحوم المشفاة لنسبة لا تقل عن 30% بالأشهر الثلاثة الأخيرة".

ويؤكد مصطفى، أن "الأضاحي متوفرة ولكن الأسعار زادت عن العام السابق، بسبب ارتفاع سعر الأعلاف وتكلفة تربية المواشي"، لافتًا إلى أن "سعر الأضحية من الجمل ما بين 27 إلى 35 ألف جنيه حسب وزن الأضحية، بينما يتراوح سعر العجل ما بين 22 و30 ألف جنيه وأكثر".

وأوضح أن "العجل به كمية لحم تبلغ نحو 65% من وزنه، بحوالي 300 كيلوغرام لحمًا يباع الكيلو قائم بحوالي 73 جنيهًا، فيما يعطي الجمل ما بين 55 و60% من وزنه لحما ويباع الكيلو منه قائما بحوالي 75 جنيهًا".

"الأزمة الأكبر"

الأزمة هنا تفوق رغبة من يرغبون في ذبح الأضاحي لتتعداها إلى الملايين الذين يمثل لهم عيد الأضحى الفرصة الأكبر للحصول على اللحوم سواء بالشراء أو عن طريق المضحين أو الجمعيات الخيرية والأحزاب التي في الغالب تستغل هذا التوزيع سياسيا.

وفي رصدنا لأسعار الأضاحي بمنطقة مسطرد بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، وصل "سعر الكيلو من اللحم الجملي بين 120 و140 جنيها للكيلو، ولحم الكندوز بين 150 و170 جنيها، وهو ما يزيد في مناطق القاهرة الراقية"، بحسب جزارين.

وتبين من مراجعة بعض التجار والجزارين، أن "سعر كيلو اللحم القائم من الجملي ما بين 71 و73 جنيها بنحو 30 ألف جنيه للجمل، والبقري ما بين 73 و75 جنيها بحوالي 20 إلى 35 ألف جنيه للعجل، والماعز ما بين 83 و85 جنيها، بسعر الخروف أو الماعز ما بين 3 و5 آلاف جنيه"، وفقًا لـ"عربي 21".

وفي هذا الإطار، أكد رئيس شعبة القصابين في اتحاد الغرف التجارية محمد وهبه، بحسب إعلام محلي، السبت، أن "سعر لحم الكندوز ارتفع في الأسواق بحوالي 10 بالمئة"، مشيرًا إلى أن "هناك معاناة كبيرة بين المواطنين"، متوقعًا حدوث "ارتفاع جديد بالأسعار الأسبوع المقبل، مع الإقبال على الشراء".

ولفت إلى أن "سعر لحم الكندوز تراوح ما بين 180 إلى 200 جنيه للكيلو، والضأن ما بين 180 إلى 195 جنيهًا، والجملي بين 100 و130 جنيهًا للكيلو"، موضحا أن "أسعار العجول البقري قائم ما بين 70 إلى 75 جنيهًا للكيلو، والجاموسي ما بين 60 إلى 67 جنيهًا، وكيلو الضان القائم ما بين 80 إلى 85 جنيهًا، بزيادة 20 جنيهًا عن العام الماضي".

"غياب الدولة"

وبرغم أن (المادة 29) من الدستور تنص على دور الدولة بتوفير مستلزمات الإنتاج الحيواني وتشجيع الصناعات التي تقوم عليهما؛ إلا أنه وفقًا لـ"وثيقة ملكية الدولة" التي أُعلن عنها في مايو الماضي، من المقرر أن تبقي حكومة الانقلاب على استثماراتها في 45 نشاطًا، مع الاتجاه لتخفيضها والسماح بمشاركة أكبر للقطاع الخاص، ومن بين تلك الأنشطة "اللحوم".

ويعاني المصريون مع التضخم وزيادة جميع أسعار السلع في سلسلة ارتفاعات كشف عن آخرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 9 يونيو الجاري، مؤكدًا أن معدل التضخم السنوي بلغ 15.3% عن مايو الجاري، مقابل 4.9% لنفس الشهر من العام السابق.

ووفق بيان الجهاز الحكومي، فإن التغير السنوي خلال الفترة المذكورة في أسعار اللحوم والدواجن جاء بنسبة 22.1%، وفي الوقت الذي قادت فيه المواد الغذائية التضخم للارتفاع، بنسبة 24.8%على أساس سنوي؛ فقد أسهمت اللحوم في تلك الزيادة بنسبة قدرها 32.4%.

"أزمة مفتعلة"

وفي تقديره لمدى تأثير انفجار أسعار اللحوم والأضاحي قبيل عيد الأضحى على ملايين المصريين، يقول النائب البرلماني السابق محمد عماد صابر: "هذه أزمة مفتعلة وفق مخطط استراتيجي قديم كبير، ووراءها كبار التجار ومنهم جنرالات جيش المتلاعبين في السوق بالاتفاق مع من يديرون البلد".

وأكد صابر أن "هذه أسعار غير منطقية بالمرة"، متسائلًا: "ما معنى وصول كيلو الكندوز إلى ما بين 195 و210 جنيهات؟"، معتبرًا أن "هذا جنون وتعمد واضح لافتعال الأزمة".

ويتوقع، أن "يتدخل الجيش في النهاية بعمل شيء؛ وليكن استيراد صفقة كبيرة من الخارج لصالحه ولصالح التجار وليس لصالح الشعب، ليعود السعر لسابق عهده، ويشعر المواطن بأنه تم حل المشكلة، وفي الحقيقة أن المشكلة قائمة".

ويشير إلى أن تلك الحالة "تجعل عددًا كبيرًا من المضحين يعزفون عن الأضحية"، لافتًا إلى أن "الحل السريع المؤقت يتمثل بضرورة التدخل لاستيراد شحنة من الخارج مطابقة للمواصفات الغذائية مع الحفاظ على المنتج المحلي".

أما الحلول الحقيقية والدائمة وفق الطبيب والسياسي المصري، فهي كثيرة "منها عودة (مشروع البتلو) بضوابطه، والوقوف مع الفلاح ودعمه ورعايته، وعودة الطبيب البيطري لدوره برعاية الثروة الحيوانية والداجنة، ومراقبة الغذاء الصحي والآمن للمواطن كما كان سابقا".

وعن الأسباب الوظيفية والمهنية للأزمة، يحددها صابر، بـ"ارتفاع أسعار الأعلاف، وزيادة الطلب على الأضاحي مع اقترب العيد، بجانب تداعيات أزمة (كورونا) والتي أربكت الاستيراد ورفعت خامات الأعلاف التي لا تنتج مصر منها سوى 20%، بالإضافة إلى زيادة تكلفة النقل".

ويشير إلى أن "تعداد الماشية انكمش من 8 ملايين رأس إلى 6 ملايين بقر وجاموس، وانخفض تعداد الأغنام والماعز من 6 ملايين إلى 5 ملايين رأس؛ ذلك نتيجة الذبح الجائر للإناث الصغيرة خارج المجازر في ظل سياسة رفع الدعم عن الأعلاف للمربين، وموجات الأوبئة، وفي ظل القصور في الخدمات البيطرية".

ويضيف: "موجة ارتفاع الأسعار والتي تزداد يوميًا جراء الحرب الروسية الأوكرانية، في ظل نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي الذي يتسم بالفشل بكل المجالات ولا يجيد منطق إدارة الأزمات؛ لاشك تؤثر على شعب يعاني الفقر، وأزمة ارتفاع سعر الأضاحي تضاف إلى باقي الأزمات".

ويعتقد أنه "من الطبيعي أن زيادة الأعباء على الناس، ووجود التزامات أساسية وأولويات على قائمة المطالب، سيدفع البعض لتغيير وجهته بشأن التبرع للفقراء باللحوم، أو شراء صكوك الأضاحي، كرد فعل طبيعي على موجة ارتفاع الأسعار".

ويستطرد: "حتى الجمعيات الخيرية المسموح لها بمزاولة نشاطها تضررت من قلة الصكوك، الأمر الذي يؤدي لانخفاض عدد الأضاحي هذا العام وحرمان الكثير من الفقراء والمساكين من تناول وجبة لحم ينتظرونها طوال العام".