تُواصل سلطات الانقلاب هدم عدد من الأحياء السكنية في القاهرة بدعوى التطوير، وكان آخرها إخلاء مناطق الجيارة وحوش الغجر والسكر والليمون، في إطار ما يعرف بسياسة تطوير محيط سور مجرى العيون وسط القاهرة.


ويقول مسؤولون في محافظة القاهرة إنّه سيتم إخلاء المنطقة المحيطة بسور مجرى العيون، وحصر المنازل الموجودة بمناطق الجيارة والسكر والليمون وحوش الغجر تمهيداً لإزالتها، باعتبار أن المناطق التي يتم إزالتها تندرج ضمن المناطق التي تعدها سلطات الانقلاب غير آمنة أو عشوائية. 


والهدف من الإزالة هو تنفيذ مشروع سياحي ثقافي ترفيهي على الطراز الإسلامي يمتد على مساحة 95 فداناً، ويضم مسارح وقاعات سينما ومجمعات تجارية وفنادق على مساحة 12.5 فداناً.


وتتعامل سلطات الانقلاب مع القاهرة باعتبارها ملكية خاصة، وتحدث شروخاً لا يمكن معالجتها في النسيج العمراني للمدينة، الأمر الذي يزعج الباحثين والخبراء في علوم البناء والتخطيط العمراني. وغالباً لا تستعين دولة الانقلاب بآراء الخبراء كما لا تحترم وجهة نظر الأهالي والسكان واختياراتهم، أو النظر إلى البعد التاريخي والنسيج العمراني للمناطق قبل هدمها. 


وتحدث عمليات الهدم تطبيقاً لقرار رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي الذي عدل بعض أحكام قانون نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة. ليكون تقرير المنفعة العامة بقرار رئيس الجمهورية أو من يفوضه.


كما تضمن التعديل أن يتم تقدير التعويض بواسطة لجنة تشكل بكل محافظة بقرار من وزير الموارد المائية والري.


وتصف دراسة صادرة عن المشروع البحثي التابع للجامعة الأميركية في القاهرة "حلول للسياسيات البديلة"، المجتمعات العمرانية الجديدة بكونها مسميات أخرى بديلة تستخدم للإخلاء القسري، ومثل تلك المسميات ليست جرائم بحد ذاتها. لكن عندما يكون تحديث المدينة قائماً على أطلال حياة مجتمعات تم ترحيلها لأماكن أخرى، يصبح التحديث قسرياً ومن دون رضا السكان الأصليين في موقع مشاريع التحديث. 


وتُحاول دولة العسكر منذ أوائل القرن الحالي تغيير معالم العديد من أحياء القاهرة، من خلال وصمها بالعشوائية ومخالفة القانون والتدخلات المستمرة بالهدم والإخلاء. 


وترجع كلّ عمليات التحديث العمراني القسري تلك إلى عام 2008، عندما عرض مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء الحالي (رئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني حينها) مشروع "القاهرة 2050". ويتلخص المشروع في تغيير شكل قلب القاهرة، وتحويل معظم الأحياء إلى مراكز مال وأعمال من خلال التدخل في المناطق غير الرسمية لإخلاء مناطق تضم أكثر من مليوني مواطن، بحسب الدراسة. 


ومنذ عام 2008 وحتى عام 2011، تبنت مجموعة من المتخصصين في علوم العمران والاجتماع والاقتصاد التصدي لذلك المشروع، الذي سيؤدي إلى اختفاء هوية القاهرة، بالإضافة إلى فقدان قيم اجتماعية عديدة من خلال نقل السكان. وبالفعل، نجحت ثورة يناير 2011 في تعطيل المشروع. لكن في عام 2014، أسندت الدولة وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية إلى مدبولي، وكان أول تصريحاته أنّ مشروع "القاهرة 2050" مستمر.


وأشارت الدراسة إلى أنّه بالعودة إلى أبحاث عمرانية واجتماعية سابقة، فإنّ غالبية محاولات الدولة توفير ما يطلق عليه سكن للفقراء من خلال مشاريع الإسكان الحكومي، لم توفر معايير السكن الملائم، لأنّ محاولات وضع مجموعات مختلفة من السكان باحتياجات ومشاكل وإمكانيات مختلفة في مكان واحد داخل وحدات سكنية موحدة، يستحيل أن يحقق رغبات السكان وتوفير احتياجاتهم. لذلك، لم ينجح ذلك النمط في إتاحة بديل للنمط غير الرسمي ليستمر في النمو.