يعاني أكثر من 850 مليون شخص في جميع أنحاء العالم من نوع ما من أمراض الكلى، وهو ما يقرب من ضعف عدد الأشخاص الذين يعانون من مرض السكري (422 مليونا)، وأكثر من 20 ضعفا من مرضى السرطان في جميع أنحاء العالم والذين يبلغ عددهم نحو 42 مليون إنسان، وذلك حسب دراسة أجرتها الجمعية الدولية لأمراض الكلى "آي إس إن" (ISN)، ونشرتها على منصتها مؤخرا.


وذكرت الدراسة أن نسبة انتشار مرض الكلى المزمن في جميع أنحاء العالم تبلغ 10.4% بين الرجال و11.8% بين النساء، ويعاني 13.3 مليون إنسان في العالم من القصور الكلوي الحاد، الذي يتطور عادة إلى مرض كلوي مزمن أو فشل كلوي في المستقبل.


وإذا جئنا إلى التكلفة المالية، فإن علاج الأشخاص المصابين بأمراض الكلى والفشل الكلوي يشكل عبئا ماليا ثقيلا على ميزانيات الرعاية الصحية في مختلف دول العالم؛ حيث تبلغ التكلفة السنوية لكل مريض يحتاج إلى غسيل الكلى أكثر من 88 ألف دولار في الولايات المتحدة الأميركية، وتصل لنحو 59 ألف دولار في ألمانيا، و83 ألف دولار في فرنسا، وهذه مجرد أمثلة، ولنا أن نتخيل التكلفة على مستوى العالم، كما ذكرت الدراسة.


لذا فإن الحاجة تبدو ماسة لابتكار جديد يخفف من آلام مئات ملايين الأشخاص في العالم، ويعطيهم الأمل في حياة أفضل خالية من أجهزة غسيل الكلى، أو انتظار المتبرعين الذين قد لا يأتون أبدا.


"مشروع الكلى" يجد الحل

وفي هذا السياق، حصل "مشروع الكلى" (The Kidney Project’s) الأميركي مؤخرا على جائزة مؤسسة "كيدني إكس" (KidneyX) الأميركية والتي يبلغ مقدارها 650 ألف دولار أميركي عن ابتكاره كلية صناعية حيوية تبشر ملايين المرضى في العالم بانتهاء عهد غسيل الكلى والانتظار المضني لقوائم المتبرعين، حسب ما ذكرت منصة جامعة كاليفورنيا الأميركية في تقرير لها مؤخرا.


وتأسست مؤسسة كيدني إكس بوصفها مشروعا مشتركا بين وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية "إتش إتش إس" (HHS) والجمعية الأميركية لأمراض الكلى "إيه إس إن" (ASN)؛ بهدف "تسريع الابتكار في الوقاية من أمراض الكلى وتشخيصها وعلاجها".


ونجح "مشروع الكلى" -وهو مشروع وطني يقوده البروفيسور شوفو روي الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، وويليام فيسيل أستاذ الطب في المركز الطبي بجامعة فاندربيلت- في دمج الجزءين الأساسيين من مشروع الكلى الاصطناعية الذي كانا يعملان عليه كلٌّ على حدة، وهما "مرشح الدم" و"المفاعل الحيوي"، لصنع كلية حيوية بحجم الهاتف الخليوي الصغير، لينتقلوا بعدها إلى الخطوة التالية وهي التقييم السريري، وحصل الفريق على جائزة مؤسسة كيدني نتيجة هذا الاختراق العلمي والتقني الكبير في مجال معالجة أمراض الكلى، كما ذكر التقرير.


وكان فريق العمل قد اختبر في السنوات القليلة الماضية بنجاح أهم مكونين من الكلية الاصطناعية الحيوية، وهما "مرشح الدم" الذي يزيل الفضلات والسموم من الدم، و"المفاعل الحيوي" الذي يكرر وظائف الكلى الأخرى.


ثم دمج العلماء الوحدتين معا لإنتاج نسخة مصغرة من الكلية الاصطناعية، واختبروا أداء هذه الكلية، حيث عملت الوحدتان معا بتناغم تام بدعم من ضغط الدم وحده دون الحاجة إلى تسييل الدم كما يجرى في عمليات الغسيل، أو الأدوية المساعدة المثبطة للمناعة التي يأخذها عادة مرضى الفشل الكلوي عند إجراء عمليات الغسيل، وهو ما شكل نجاحا كبيرا للمشروع استحق عليه الفريق الجائزة المذكورة.


مستقبل أفضل لملايين البشر

وقال البروفيسور شوفو روي قائد الفريق -والذي يعمل حاليا أستاذا في قسم الهندسة الحيوية والعلوم العلاجية بجامعة كاليفورنيا-، في تصريحات صحفية ذكرتها منصة الجامعة: إن "هذه الكلية تعد بمستقبل أفضل بكثير لملايين المرضى المصابين بالفشل الكلوي في جميع أنحاء العالم، وأستطيع القول إن عهد غسيل الكلى قد انتهى للأبد".


ويؤدي الفشل الكلوي المزمن إلى فقدان وظائف الكلى تدريجيًّا وبخطورة، ويجب على معظم مرضى الفشل الكلوي زيارة عيادات غسيل الكلى عدة مرات كل أسبوع لتصفية الدم، وهي عملية مؤلمة تستغرق وقتا طويلا ومحفوفة بالمخاطر.


وهناك أقلية من المرضى تعيش مع الكلية المزروعة، التي حصلوا عليها من أقربائهم، أو انتظروها طويلا في قوائم المتبرعين، ولكن حتى هؤلاء المرضى يجب أن يتعاملوا طوال حياتهم مع الأدوية المثبطة للمناعة التي يمكن أن يكون لها آثار جانبية خطيرة.. "مع الكلية الصناعية الجديدة لم تعد هناك ضرورة لكل هذا العناء، فلا حاجة لغسيل الكلى أو تناول الأدوية المثبطة للمناعة"، كما يؤكد روي.


وأوضح روي: "صمم فريقنا هذه الكلية الاصطناعية لتتعايش بانسجام تام مع خلايا الجسد دون إثارة الجهاز المناعي، وحاليا وبعد أن أثبتنا جدوى الجمع بين مرشح الدم والمفاعل الحيوي، يمكننا التركيز على رفع مستوى التكنولوجيا المستخدمة لإجراء اختبارات قبل سريرية أكثر صرامة، وفي النهاية سننتقل لمرحلة التجارب السريرية".


وكانت مؤسسة كيدني إكس قد دعت العلماء والمهندسين إلى ابتكار علاجات تقنية جديدة تتجاوز مرحلة زراعة الكلى أو عمليات الغسيل المنهكة، وهو ما تم تحقيقه مع الكلية الاصطناعية الحيوية التي ابتكرها الدكتور روي وفريقه بالفعل.