نافذة مصر

بعث المحاسب ورجل الأعمال ومؤسس صناع الحياة في كفر الشيخ هيثم زقزوق المعتقل حاليا بسجن طنطا العمومي رسالة إلى والده، تمتلئ بالكلمات الرائعة والمشاعر الفياضة وكيف وصل إلى الأنس بالله والرضا بقضاه، يخاطب والده ارفع رأسك فنحن على الحق وإلى الحق نسير، إرفع رأسك فلله بعنا وإليه المصير، رسالة من رجل حر خلف أسوار الطغاة إلى والده تلخص لنا حال إخواننا في سجون الظالمين، رسالة تظهر المعادن الذكية والنفوس الأبية التي ما ارتضت الذل ولا رضيت بالعبودية، ووقفت شامخة أمام عدوها، ذليلة أمام ربها، يملؤها الرضا بالقضاء والصبر على البلاء، وتنتظر الجزاء بالنصر أو الشهادة.

اقرؤوا الرسالة وافخروا بإخوانكم وارفعوا رؤوسكم -كما طلب أخوكم "هيثم" من والده- فنحن على الحق وإلى الحق.

 


نص الرسالة:

 
بسم الله الرحمن الرحيم

 

ارفع رأسك يا أبي فأنت أهل لذلك، ولا تخرج على الناس إلا في أبهى حلة وأجمل صورة، لا ترمقهم إلا بنظرات واثقة، ارفع رأسك بابتسامة قاهرة، لا تحدثهم إلا بكلمات الفخر، حدثهم بنعمة الله عليك وعلينا، أخبرهم بأنك سعيد لما أنا فيه، حدثهم عن العزة التي منحنيها الله بإصطفائه وابتلائه، لا تسمح لأحدهم أن ينظر إلينا في شفقة أو أن ينكرنا بحسرة، فوالله لو علم –ظالمي أنفسهم- ما نحن فيه من فضل الله لقاتلونا عليه، هم والله من يستحقون الشفقة.

لقد أصبحت اليوم يا أبي وقد بلغت من العزة مبلغاً كبيراً، لم أبلغه بعلم ولا بعمل، ولكن بإصطفاء ظاهره فيه البلاء ومن باطنه ارتقاء!

إنما نحن يا أبي من قدر الله وإلى قدر الله، هو اختارنا لهذا المكان ولهذا الزمان ولهذه الظروف، هو قدر لنا مكوناتنا الشخصة، وقدراتنا الذهنية، وملامحنا الشكلية، وتركيباتنا الجسدية، اختار لنا ديننا ووطننا وأهلنا، في رحلة سفر سريعة كممر نلجه من باب العدم ونغادره إلي براح الخلد، دعنا يا أبي لا نلتفت إلى وعثاء ففي الخلد جنان تنتظر.

علمتني أن الحياة اختيارات يا أبي، دربتني على أن أكون حراً في اختياراتي، متمرداً على الواقع والظروف، وألا أبتغ غير الله مقصداً لاختياراتي، فحسبنا أن نتحرى أفضل السبل لمصرنا، وحري بنا أن نكون رجالاً على قدر اختياراتنا، ندفع ثمنها من أوقاتنا وأموالنا ولو شاء الله أرواحنا وأنفسنا، بخس الثمن وربح البيع.

أذكر حديثك يا أبي بكلمات يغمرها صدق المشاعر عن امنياتك للمولى عز وجل أن قد مد في أعمارنا حتى رأينا بلادنا في تلك اللحظات التاريخية "يناير / فبراير 2011"، حيث البلاد تتحرر، وحيث حسبنا أن لن يكون في مصر سلطان لإنسان على آخر بعد ذلك، حيث سنسعى ونعمل وننتج ونجوب البلاد شرقاً وغرباً.

أتعلم يا أبي، لقد صرت أشعر بالامتنان ذاته للمولى سبحانه عما نعيشه منذ 3 يوليو الماضي، أتحسس كرمه وفضله في السلب كما لم أتحسسه من قبل في العطاء، فأنا لم أعرف قبل هذا اليوم احساس الخوف حد الهلع والألم حد اللوعة، لم أكن في يوم أقرب للموت مني للحياة كما كنت في هذه الفترة، صُمّت أذاني من صوت الرصاص في مناسبات عديدة، حملت الأشلاء، اعتدت منظر الدماء حتى صارت الدموع على مقلتي عزيزة.

فماذا عساني أكتب عن نعمة الأنس بالله عندما يغادرنا الحبيب، عن نعمة "التعلق بالمسبب" عند فقدان الأسباب، عن سعة التوكل عند ضيق العيش، عن فسحة الأمل عند اشتداد الكرب. يا أبي قد وجدت الله ها هنا فماذا تراني قد فقدت؟!

والله يا أبي لنلقين الله بحبه وحب رسوله والصبر على الإيذاء في سبيله، فلا نرضين بغير الجنة ثمناً!

الحمد لله على نعمة الإبتلاء، والحمد لله على نعمة الصبر عند الإبتلاء، والحمد لله على نعمة الرضا عند الصبر عند الإبتلاء، والحمد لله على نعمة الحمد عند الرضا عند الصبر عند الإبتلاء ...

 

 

ابنك هيثم

 

 

سجن طنطا العمومي

 

 

** هيثم زقزوق مؤسس صناع الحياة بكفر الشيخ 

 

19/5/2014