لم تقتصر الانتفاضة الفلسطينية الثالثة التى انهمرت كالسيل العرم في ربوع الأراضي المحتلة لتضرب الرعب في قلوب الصهاينة على حرب السكاكين وانتفاضة الطعن، وإنما ذبح أحرار فلسطين وشباب المقاومة عدوهم الإسرائيلي من الوريد إلى الوريد بالابتسامة في وجه آلة القتل والسخرية من أغلال الاعتقال، ليخسر رهان الكيان العبري على هوان شباب الألفية وجيل التواصل الاجتماعي ويقف عاجزا أمام العزة والشموخ الذى يتوارثه الشعب المرابط كابر عن كابر.

ووسط حالة من الهوان الإسلامي والصمت العربي المخزي أمام انتهاك المقدسات في الأراضي المحتلة تكفل الفلسطنيين وحدهم بالدفاع عن كرامة الأمة بأسرها دون أن تنتظر من أحد عبارات تأييد أو كلمات دعم ومساندة، ووقف الشباب الفلسطيني ليواجه آلة القتل الصهيونية بصدور عارية وإن تحولت الحجارة إلى نصال تلمع في سماء الضفة الغربية لتثير الرعب في أوصال الجنود الصهاينة.

الساحة الفلسطينية بأسرها تحولت إلى الفلسطيني مهند الحلبي وأحمد شراكة، لتعم المواجهات في ربوع الدولة المحتلة في معركة غير متكافئة بين من تسلح بأحدث المعدات الأمريكية الصنع والمدعوم سياسيا من سلطات القمع العربي، ومن خرج من رحم الحصار محملا بحجارته ليدافع عن عرض من باعه وخان القضية وانبطح على عتبات الصهاينة، إلا أنه المعادلة لم تكن لتحسم بتلك المعطيات، بعدما كشفت القناة الأولي الصهيونية رغم تباين العدة والعتاد عن حالة الرعب التى ضربت المجتمع العبري من انتفاضة الطعن وخوف المستوطنين من الخروج في الشوارع أو التعامل مع المواصلات العامة أو أماكن التجمع حتي بات الصهاينة محاصرون في منازلهم، لتثبت خبرا عاجلا على شاشتها: «الإسرائيليون مجددا متوترون ومضغوطون.. الأخبار مخيفة والشوارع فارغة!».

قوات الاحتلال استعانت بوحدة "المستعربين" من أجل الاندساس وسط المتظاهرين في فعاليات الانتفاضة، واعتقال الشباب الفلسطيني الحر، فضلا عن اقتحام منازل الشهداء وشن حملات واسعة في مناطق الضفة وتحرش بالقطاع رغم التهدئة الموقعة، وهو ما تكرر في أكثر المشاهد التى تداولتها الشبكات الإخبارية في الأيام القليلة الماضية، غير أن الأحرار استقبلوا تلك الهجمة بابتسامة ساخرة من الواقع الصهيوني المزرى غير عابئين بالأسر وتبعاته، وهي الابتسامة النافذة التى استقرت في قلب المحتل لتثير الجنون في أوساط جيش العدو.

  6 صور من بين المئات نشرتها وكالات الأنباء العالمية بسخاء ودهشة لـ6 شبان وفتيات وهم يبتسمون لحظة اعتقالهم من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، تكشف بجلاء أن الانتفاضة واحدة من الجينات التى جبل عليها الشعب الفلسطيني، لتعلن عن انتصار المرابطين منذ اشتعال الحراك الغاضب مطلع أكتوبر الجاري بين من لقي نحبه شهيدا، وقرابة 650 أسيرا قهروا عدوهم بابتسامة النصر.

الصورة الأولي تحكي قصة فتاة عشرينية محاطة بـ 4 من جنود الاحتلال، يشرق وجهها بابتسامة خالدة غير عابئة ولا مكترثة بالقيود التي في يديها، في حين كان الجند الصهيوني في حالة مناقضة تماما لحالتها بعدما اكتست ملامحهم بجل أيات الهلع رغم أنهم مدججون بالسلاح وهي وحيدة تسلحة بابتسامتها.

الصورة الثانية لفتاة حرة لم تتجاوز بعد عامها الـ15 ولكنها كتبت عبارة فلسطين على قميصها الأسود وربما كانت تعكس صورة لكلمة حفرت في قلبها، ورغم حصارها من قبل حشد من الجنود المدججين بالسلاح وتكبيلها بالقيود إلى الابتسامة العريضة لم تفارق وجهها في مشهد أعيا العالم وكشف عوارات المنبطحين.

الصورة الثالثة لأسير ملتحف بالشال الفلسطيني مقيدا بالأغلال ومطروحا أرضا، بينما جندي صهيوني يقف بحذائه فوق جسده، إلا أن ابتسامة العزة لم تفارق وجهه، ليحرم المحتل الصهيوني من نشوة القهر ولذة القمع.

والصورة الرابعة تتكرر الضحكة من شاب فلسطيني يمسك به اثنان من جنود الاحتلال ويقيدان يداه من الخلف وابتسامة الكرامة لا تفارق الوجه المقاوم، فيما تبدو الصورة الخامسة أكثر وضوحا لشاب جرده عسكر الصهاينة من ملابسه ومحاطا بالعشرات من المسلحين إلا أن الملامح لم تفصح إلا أن ابتسامة الثقة، ولم تبتعد الصورة السادسة عن سابقيها لشاب يقتاده جنود الاحتلال خلف الأسوار نحو معتقلات الصهاينة إلا أنه أبي أن يودع الانتفاضة إلا بابتسامة النصر في رسالة إلى الشعب الأبي بمواصلة الزحف لنصرة المقدسات.

المشهد الفلسطيني يعكس واقعا مغايرا لحالة الهوان التى يعيشها العالم العربي خارج حدود دولة الرباط، وكأن رسالة الانتفاضة الثالثة لحكام القمع وسلاطين العار أن الشعب الفلسطيني وحده هو الحر فيما تقبع باقي شعوب الأمة قيد الاحتلال.

فهذا الشيخ السيتيني وقف بصدر عار أمام عشرات الجنود ليمنعهم من إطلاق الرصاص على التظاهرات الفلسطينية الحاشدة، وتلك الأم التى لقت جندي الاحتلال درسا قاسيا وانهالت عليه غير عابئة بسلاحه الآلي بالضرب المبرح بعدما حال اعتقال أحد ابناءها، فيما لخص هذا الشاب المشهد بعدما تحرك بنصله الحاد وسط عشرات الجنود المسلحين لينهال في قلب عاصمة دولة الاحتلال لينهال عليهم طعنا قبل أن يرتقي شهيدا بوابل من الرصاص.

المعادلة باتت واضحة الأركان.. فالاحتلال الذى يمتد منذ عام 1948 ويتمدد في الأرض بدعم عربي، بات يدرك جيدا أنه وبعد قرابة 67 عاما لم يحتل سوي البلدان المجاورة لفلسطين والهيمنة على قراراتها السياسية وتوجهاتها الاقتصادية، فيما باتت أرض الرباط وحدها هى العصية على جنود صهيون وإن سيطر نظريا على التراب لتبقي الروح الأبية تقاتله وتلاحقه وتحاصره إينما حل وارتحل.