عقد معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط ( معهد بحثى صهيونى مقرب من الإدارة الأميركية ) مؤخراً اجتماع مغلق شارك فيه مسؤولون سابقون أمريكيون وأجانب، وآخرون متخصصون في مجال الصواريخ، ومفتش أسلحة سابق من قبل الأمم المتحدة. وفي اجتماعهم بحث المشاركون سبل التعامل مع مشكلة الصواريخ في غزة وتدارسوا الكيفية التي يمكن بموجبها تطبيق مفهوم “إعادة الإعمار مقابل نزع السلاح” كجزء من اتفاق لوقف إطلاق النار على المدى البعيد. وفيما يلي ملخص النتائج الرئيسية التي توصل إليها المشاركون.”

يقول المعهد: منذ عام 2001 تفاقمت مشكلة صواريخ غزة بشكل كبير. فخلال السنوات الماضية تم إطلاق ما يزيد عن 18 ألف صاورخ على إسرائيل كما أن مداها قد توسّع من بضعة كيلومترات إلى أكثر من 160 كم. وقد أصبح القصف الصاروخي والمدفعي أداةً استراتيجية في أيدي «حماس» و«الجهاد الإسلامي الفلسطيني»، و«لجان المقاومة الشعبية» (أي “«حماس» والمنظمات الأخرى”).

فمن خلال إثارة العديد من الاشتباكات والتسبب في ثلاث مواجهات عسكرية واسعة النطاق منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، مكّنت عمليات إطلاق الصواريخ هذه الجماعات من ممارسة الاعتراض على الساحة الفلسطينية ومع إسرائيل أيضاً. كما أن وابل الصواريخ المتكررة يؤدي إلى الإخلال بتوازن الحياة في معظم المناطق في إسرائيل والتهديد بقيام صراعات أكبر. وعلى الرغم من أن النظام الدفاعي الإسرائيلي المعروف بـ “القبة الحديدية” يتمتع بقدرة اعتراض معدلها 90 بالمائة، إلا أن بعض الصواريخ ينجح في اختراقه.

?????????لذلك يصبح من الضروري الحد من قدرة “«حماس» والمنظمات الأخرى” على إطلاق الصواريخ على إسرائيل لتفادي وقوع نزاع جديد قد يودي بحياة الكثير من المدنيين ويدمر البنى التحتية والمساكن التي كلّف بناؤها مليارات الدولارات من مساعدات إعادة الإعمار. وللمرة الأولى نرى أبرز الفاعلين الدوليين – من بينهم الحكومة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي – يدعون بشكل رسمي إلى نزع السلاح في غزة كشرط أساسي مسبق لتفادي حدوث مواجهة عسكرية أخرى وإتاحة المجال أمام إعادة إعمار البنى التحتية المدنية.

مخزون الصواريخ واستخدامها

وفقاً للتقديرات الإسرائيلية، كانت “«حماس» والمنظمات الأخرى” تملك 10,000 صاروخ من مختلف الأنواع قبل اندلاع النزاع الأخير، من بينها حوالي 400 صاروخ ذات مدى يزيد عن 80 كم. وحيث تم استهلاك حوالي ثلثها (3,500 تقريباً)، دَمرت الضربات الإسرائيلية ثلثاً آخر، ليبقى الثلث الأخير بمنأى عن الضرر (ويشمل 100-200 صاروخ ذات مدى أبعد) – علماً بأن «حماس» تدّعي بأنها استمرت في صنع الصواريخ خلال النزاع. وتضم ترسانة غزة أنظمة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى:

·  صواريخ قصيرة المدى (4-16 كم): صواريخ من نوع “القسام” يتم صنعها في ورش منزلية وصواريخ إيرانية من نوع “كاتيوشا” عيار 107 ملم

·  صواريخ متوسطة المدى (50-160 كم): إصدارات إيرانية من صواريخ “غراد بي إم – 21″

·  صواريخ بعيدة المدى (50-160 كم): صواريخ محلية الصنع مثل “إس – 55″، “إم – 75″، “جي – 80″، “آر – 160″، و “البراق- 70″، وكذلك “فجر – 5″ الإيرانية و “إم – 302″ السورية

3158999283_3c71b8ef9f_oلقد كان حوالي نصف الصواريخ التي أُطلقت حتى الآن عبارة عن أسلحة قصيرة المدى سقطت على مسافة 4-5 كلم من الحدود مع غزة. كما أن “«حماس» والمنظمات الأخرى” استخدمت بصورة مكثفة قذائف هاون عيار 120 ملم (ذات مدى 7 كم) مستوردة من الخارج. وعلى الرغم من أن الصواريخ كانت تُطلق من كافة أنحاء القطاع، كان التركيز الأكبر لمنصات الإطلاق في مدينة غزة ومحيطها.

وكانت الغالبية العظمى من الصواريخ المستخدمة نماذج محلية الصنع، وتقدّر إسرائيل أنها دمرّت ما بين 50 و60 بالمائة من منشآت تصنيع الصواريخ في غزة. وفي الماضي كانت الصواريخ الأجنبية الصنع تهرَّب من سيناء عبر الأنفاق، أو في الحاويات العائمة التي كانت ترمى في البحر على مسافة من الشاطئ. غير أن “«حماس» والمنظمات الأخرى” واجهت صعوبات كبيرة في استيراد الصواريخ عبر الأنفاق الجنوبية منذ قيام الجيش المصري بالإطاحة بحكومة «الإخوان المسلمين» برئاسة محمد مرسي في تموز/يوليو 2013. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من الصواريخ المحلية الصنع لا تزال تعتمد على المواد والمكونات المستوردة على غرار تركيبات المنافث ومكونات الوقود الصاروخي (حيث تم استبدال نسبة كبيرة من مزيج السكر ونترات البوتاسيوم المستخدم في السابق بوقود ذو طاقة أكبر) والمتفجرات العسكرية للرؤوس الحربية وتركيبات الصمامات. وهذه هي نقاط ضعف، شأنها شأن الاعتماد على منصات إطلاق الصواريخ التي تم بناؤها بعناية وإخفاؤها تحت الأرض (ويضم العديد منها عدة قاذفات أنبوبية) وقاذفات محمولة على شاحنات لإطلاق الصواريخ البعيدة المدى.

منع إعادة التسلح

why-hamas-fires-those-rocketsيشكل مفهوم “نزع السلاح مقابل الإعمار” هدف سياسي مهم، والتقدم نحوه ينبغي أن يقود مسار المفاوضات لوقف إطلاق النار. ومع ذلك، يجب أن يتمثل الهدف الأكثر قابلية للتطبيق على المدى القريب بمنع “«حماس» والمنظمات الأخرى” من إعادة التسلح وبناء قدراتها العسكرية – مع التركيز بشكل خاص على قوتها الصاروخية – في حين يتم تفكيك تلك القدرات التي تشكل خطراً على السلامة العامة أو مساعي إعادة الإعمار. ينبغي اعتبار ذلك الخطوة الأولى نحو نزع السلاح وتجريد غزة في النهاية من طابعها العسكري. وفي هذا الصدد، فإن الركيزتان الأساسيتان للحد من تهديد الصواريخ هما: (1) وقف تهريب المكونات الصاروخية، و (2) تفكيك شبكة قاذفات الصواريخ في غزة.

ينبغي على أي “ترتيبات ما بعد النزاع” بشأن معابر غزة الحدودية وإعادة الإعمار الداخلي أن تمنع صراحةً التهريب والاستيراد غير المنظم للمواد والمعدات التي قد تشجع على إعادة بناء القوة الصاروخية. وعليها أيضاً أن تحدد التدابير التي تؤدي بالضرورة إلى تعطيل قاذفات الصواريخ المكشوفة ومنع بناء قاذفات جديدة. ومن شأن الترتيبات التالية أن تفيد إلى حد كبير في تحقيق هذه الأهداف:

1. إذا تم فتح معبر الحدود المصري في رفح لتخفيف القيود المفروضة على غزة، يجب تحديث البنود ذات الصلة في “اتفاقية التنقل والوصول” – من عام 2005 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية – لتغطية التقدم المحرز في أساليب وتقنيات الأمن الحدودي. وعلاوة على ذلك، ستكون هناك حاجة إلى زيادة عدد موظفي الجمارك عبر إضافة خبراء قادرين على التعرف على مكونات الصواريخ والمواد المرتبطة بها. وإذا تبين أن السلطات الجمركية عند معبر رفح عاجزة عن استيفاء المعايير المطلوبة، فسيبقى المعبر مغلقاً إلى حين استيفاء هذه المعايير.

2رفح1. تلعب السلطة الفلسطينية دوراً جوهرياً في إعادة الإعمار ولكن يجب أن يكون هذا الدور مشروطاً بتأكيد متجدد ورسمي على التزام السلطة الفلسطينية القديم بمبدأ “سلطة واحدة، قانون واحد، سلاح واحد”. ومن الناحية العملية، يعني ذلك التزام السلطة الفلسطينية بلعب دور رئيسي في دعم كافة الجهود لمنع “«حماس» والمنظمات الأخرى” من إعادة التسلح وتعطيل قدراتها العسكرية. أما الهدف النهائي فسيكون اضطلاع السلطة الفلسطينية بدور قيادي في الوقت الذي تكتسب فيه مهارة وخبرة وقدرة على التصرف.

3. يجب أن تنتشر عناصر من السلطة الفلسطينية في الجهة الفلسطينية من كافة المعابر الحدودية، وتكون معززة بموظفي جمارك مدربين من الاتحاد الأوروبي ودول عربية مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والمغرب. ويؤمل أن يؤدي وجود هؤلاء الموظفين الأجانب إلى ضمان الكفاءة المهنية لعمليات أمن الحدود عند معبر رفح (إلى حين اكتساب موظفي السلطة الفلسطينية القدرة على الاضطلاع بهذه المسؤوليات بمفردهم)، وتشجيع السلطة الفلسطينية على الانخراط في أنشطة من شأنها أن تولد مشاعر الاحتقار تجاه “«حماس» والمنظمات الأخرى”.

4. يجب فرض ضوابط صارمة على العناصر والمواد ذات الاستخدام المزدوج لمنع تسريبها واستعمالها في الأنشطة المحظورة، بما في ذلك مراقبة الاستخدام النهائي وإجراءات التحقق بمشاركة السلطة الفلسطينية والمفتشين الدوليين. إن الفشل في منع تحويلها واستخدامها لأغراض أخرى، يجب أن يمنع الشركات أو الهيئات الأخرى المذنبة من المشاركة في إعادة الإعمار المستقبلية، الأمر الذي سيحفزها على الامتثال للضوابط.

5PALESTINIAN-EGYPT-CONFLICT-GAZA-BORDER. يجب أن يكون صرف الأموال المخصصة لإعادة الإعمار ورخص البناء مشروطاً بإجراء مسحٍ مفصّل من قبل مفتشين دوليين لكافة المناطق الواقعة ضمن مساحة 500 متر من مواقع المشاريع المقترحة، بهدف الكشف عن أي ذخائر غير منفجرة وعن أي أنفاق أو قاذفات صواريخ قد تعرض السكان المستقبليين للخطر. (ومن الناحية العسكرية، تعتبر هذه المسافة عموماً الحد الأدنى اللازم لضمان عدم وجود الأفراد “على مقربة من خطر الضربات” الجوية أو المدفعية المحتملة.) من هنا يجب التخلص من الذخائر وإبطال عمل الأنفاق/القاذفات قبل السماح ببدء الأعمال، على أن يترتب عن المخالفات التعليق المباشر لكافة الأعمال التي تنفذ على مساحة 500 متر من مكان حدوث الخرق. يجب فرض هذه التفتيشات بشكل دائم لكل مبنى يجري ترميمه أو إنشاؤه في إطار عملية إعادة الإعمار. كما أن تواجد عدد كبير من موظفي السلطة الفلسطينية والمفتشين الدوليين للإشراف على أعمال إعادة الإعمار في جميع أنحاء غزة سيساهم في تقييد حركة الإرهابيين ومنعهم من إعادة التسلح وبناء البنى التحتية الصاروخية. وأخيراً، يجب إنشاء خدمة تبليغ عبر الهاتف والبريد الإلكتروني ليتمكن الفلسطينيون من إبلاغ السلطة الفلسطينية والسلطات الدولية المعنية بإعادة الإعمار عن وجود الذخائر غير المنفجرة، والأنفاق العسكرية، والصواريخ/القاذفات.

6. يجب أن يكون صرف الأموال المخصصة لإعادة الإعمار مرتبطاً بالحفاظ على وقف إطلاق النار. فأي انتهاك لشروط الاتفاقية من قبل أي جماعة في غزة يجب أن يؤدي تلقائياً إلى تجميد الدفعات لمدة ثلاثين يوماً. فالتهديد بهذا التجميد لمدة ثلاثين يوماً سيكون له تأثير رادع أكبر من فترة عقوبة أطول مدة، لستة أشهر على سبيل المثل – ذلك أن احتمالات استئناف العمل سريعاً كالمعتاد سيحفز السلطة الفلسطينية على تحاشي توقف الأعمال (لأن المقاطعات المتكررة ستؤدي إلى انسحاب الجهات المانحة الأجنبية والمتعاقدين) في حين سينُظر إلى تجميد الدفعات لمدة أطول عقوبةً مفرطة. يجب تعيين لجنة دولية مستقلة لتقييم الحقائق بشأن الانتهاكات المزعومة لوقف إطلاق النار.

7Web_F080210AK06. ينبغي على الولايات المتحدة إنشاء آلية مصممة خصيصاً لتبادل المعلومات الاستخباراتية لدعم هذه المساعي، تبدأ بإسرائيل ومصر وتتوسع تدريجياً لتشمل كافة الأطراف المشاركة الأخرى (السلطة الفلسطينية، دول الاتحاد الأوروبي، والدول العربية).

8. يجب على واشنطن، وبصورة مماثلة، أن تكثف الجهود لمساعدة مصر في تحسين قدراتها الأمنية على طول حدودها مع ليبيا والسودان وغزة، وتمكينها بالتالي من اعتراض عمليات تهريب الأسلحة التي خلاف ذلك قد تصل إلى أيدي “«حماس» والمنظمات الأخرى”.

9.  يتعين على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن ينفذوا بفعالية أكبر، قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1929 والقرارات الأخرى التي تحظر عمليات نقل الأسلحة الإيرانية. ويعني ذلك دعم الحظر على شحن الأسلحة إلى غزة وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية عند انتهاك القرارات.

وفي النهاية، يجب أن يبقى نزع السلاح الهدف المعلن للمساعي الدولية في غزة، حتى لو كان متعذراً في الوقت الحاضر. لذلك يجدر بواشنطن وشركائها في عملية إعادة الإعمار أن يشددوا مراراً وتكراراً للسكان المحليين على أن التقدم الملموس نحو نزع السلاح هو أمر جوهري – وبدونه تصبح حياة آلاف الفلسطينيين في خطر، كما أن الفاعلين الخارجيين لن يعتبروا غزة بتاتاً مكاناً جديراً بإنفاق مليارات الدولارات من أموال إعادة الإعمار، ناهيك عن فرص الاستثمار. وإذا اندلع صراع مدمر آخر بسبب الفشل في نزع سلاح “«حماس» والمنظمات الأخرى” وتجريد غزة من طابعها العسكري، فعندئذ لا يجدر بهؤلاء السكان أنفسهم أن يتوقعوا من الأسرة الدولية أن تدفع تكاليف عملية أخرى لإعادة الإعمار أو تساعد في مساعي كهذه.

أعدها: مايكل آيزنشتات هو مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. روبرت ساتلوف هو المدير التنفيذي للمعهد.

F131115EN08-e1393619875877