د. اكرم كساب :


ومن آثار العقيدة على الفرد؛ أنها تنشأ توازنا بين الروح والجسد، فصاحب العقيدة السليمة لا يغلب الروح على حساب الجسد، ولا يغلب الجسد على حساب الروح، وإنما يعطي كل ذي حق حقه، لأن من انشغل بالروح وغفل عن الجسد أضر جسده، ومن اشغل بالجسد وأهمل الروح أضر بروحه.


ولهذا رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يلوم عبد الله بن عمر لأنه أهمل جسمه واهتم بروحه، وقال له:” إن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا”.


ووافق سلمان على موقفه من أخيه أبي الدرداء، حين قال له:”فأعط كل ذي حق حقه” ففي الصحيح عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله رضي الله عنه قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة، فقال لها: ما شأنك ؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعاما، فقال له: كل فإني صائم. قال: ما أنا بآكل حتى تأكل. فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فقال: نم. فنام ثم ذهب يقوم، فقال له: نم. فلما كان آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا جميعا فقال له سلمان: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “صدق سلمان”.


وفي المقابل اعترض النبي على الرجل الذي دخل عليه أشعث أغبر، وقال له  “ألك مال؟” قال: نعم، قال: “من أي المال؟” قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق، قال: “فإذاآتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته”.


ولما قال النبى صلى الله عليه وسلم:” لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر” قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة. قال:” إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس”. فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على تحسين هندامه، تجميل منظره، وهذا هو التوازن.


وسر هذا التوازن بين الروح والجسد عند صاحب العقيدة يرجع إلى عدة أمور منها:


أ ـ اعتقاده أن الشرع لا يتعارض مع الفطرة أو الغريزة:


فصاحب العقيدة الصحيحة يرى شريعته لا تتعارض مع غرائزه، لأن هذه الغرائز فُطر الإنسان عليها:( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(الروم: من الآية30)


وهذا يجعل الإنسان يأتي غرائزه بالطرق المشروعة دون تقزز ولا تأنيب، ولا أدل على ذلك من كون العلاقة بين الرجل والمرأة أمراً يثاب الإنسان عليه، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم وفي بُضْع أحدكم صدقة، قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أليس إذا وضعها في حرام كان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر”.


ولما مرض سعد بن أبي وقاص قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني عام حجة الوداع، من وجع اشتدَّ بي، فقلتُ: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفاتصدَّق بثلثي مالي؟ قال: “لا”. قلتُ: بالشَّطر؟ فقال: “لا”. ثم قال: “الثلث، والثلث كبير – أو: كثير – إنك أن تَذَر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تتبغي بها وجه الله إلا أُجرتَ بها، حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك”.