كلمة الأستاذ الدكتور محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
في المؤتمر الصحفي الخاص بتزوير انتخابات مجلس الشعب 2010م
الثلاثاء 30/11/2010م
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة والأخوات..
أيها الشعب المصري الكريم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
اسمحوا لي بدايةً أن أقتبسَ مقطعين من كلمتي التي ألقيتُها عند إعلانِ مشاركتِنا في انتخاباتِ مجلسِ الشعبِ 2010م يوم 9/10/2010م؛ حيث إنني حدَّدتُ الأهدافَ الرئيسيةَ من دخولِنا الانتخابات، وقلت ما نصُّه:
"إننا حين اتخذنا قرارنا بالمشاركة في هذه الانتخابات، فإننا أردنا بذلك إعلاء قيمة الإيجابية في المجتمع، وضرورة ممارسة الشعب لحقوقه الدستورية والقانونية، والتصدي للفاسدين والمفسدين، وعدم ترك الساحة السياسية مجالاً خصبًا لهم بدون حسيب ولا رقيب، وتعظيمًا للإرادة الشعبية للأمة، وترسيخًا لسنة التدافع ﴿وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.
ووجَّهتُ رسالةً إلى النظامِ جاء فيها:
"أننا ندعو النظامَ الحاكمَ إلى أن يتحلَّى بأكبرِ قدرٍ من المسئوليةِ في إدارتِه للعمليةِ الانتخابيةِ، وأن يغلِّبَ مصلحةَ الوطنِ العليا على مصلحتِه الضيِّقةِ، وأن يعلمَ أنَّ أيةَ شائبةٍ تشوبُ هذه الانتخاباتِ النيابيةَ ستُلقِي بظلالِها على كلِّ انتخاباتٍ مقبلةٍ، وهو ما يؤثِّر سلبًا في المشروعيةِ الدستوريةِ والشعبيةِ".
النظام المعارض لمصر
وبكلِّ أسفٍ فإن النظامَ لم يعبأ بالنداءاتِ التي أطلقْناها وأطلقَها معنا كلُّ المخلصين والغيورين على مصلحةِ الوطنِ، من القوى السياسيةِ والوطنيةِ الشريفةِ والمحبَّةِ بصدقٍ لمصرَ وللمصريين، وغلَّبَ مصالحَه ومصالحَ المنتفعين والفاسدين على مصلحةِ الوطنِ والمواطنِ، بل وعلى مستقبلِ مصرَ كلِّها.
ومارسَ النظامُ ما دأبَ عليه منذ ابتُليت به مصرُ، من تزييفٍ لإرادةِ الأمةِ، وتزويرٍ لاختياراتِها، وأصبح يستمرئ الكذبَ والتضليلَ على الجميع، حتى أصبحَ التزويرُ سمةً ملازمة لعصره.
ونتذكر جميعا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن من أكبر الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين"، وكان متكئًا فجلس وقال: "ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور"، وظل يكررها حتى قلنا ليته سكت.
هذا في قول الزور في حق فرد، فما بالكم بتزوير إرادة أمة واغتصاب حقوق شعب، وتدمير مستقبل جيل بل أجيال.
لقد أصبح النظامُ هو المعارضَ الحقيقيَّ لإرادةِ الأمةِ ولاختياراتِها، رافضًا حقوقَها التي كفلَها الدستورُ والقانونُ، وأصبح يضرب بها عرضَ الحائط، غير مكترثٍ بحقٍّ ولا عدلٍ ولا حرصٍ على الوطنِ والمواطنِ.
وما حدث في انتخابات مجلس الشعب يوم الأحد الماضي من تجاوزاتٍ وجرائمَ وإهدارٍ لأحكام القضاء خير دليل على ذلك.
وليعلمَ النظامُ وسدنتُه أننا وكلَّ القوى السياسيةِ الحيَّةِ في مصرَ سنلاحقُ كلَّ من شارك في تزوير إرادة الأمة بالوسائلِ القانونية والإعلامية والشعبيةِ كافة.
وأن استخدام عصا الأمنِ الغليظةِ لَهُوَ لعبٌ بالنارِ، وتصرفٌ غيرُ مسئولٍ، من نظامٍ فاقدٍ للأهليةِ، وليس لديه أبسطُ درجاتِ الوعيِ والحسِّ الوطنيِّ، فما أُسس الأمنِ إلا لحمايةِ الوطنِ والمواطنِ، وإشاعةِ العدلِ وحمايةِ الحقوقِ والمساواةِ بينَ الجميعِ وفقَ القانونِ.
إنَّ التجاوزاتِ والجرائم التي ارتكبَها النظامُ، والتي تخطَّت التزويرَ والتزييفَ، وتعدت إهدارِ أحكامِ القضاءِ والتباهيِ بذلك حتى وصل الأمر إلى الاعتداء على القضاة أنفسهم في بعض الدوائر؛ لتعبِّر- بكل وضوحٍ- عن مدى ضعفِ النظامِ وارتباكه، وعدمِ مقدرتِه على قبولِ الآخر والتعايشِ معه؛ ما دفعَه إلى اتباعِ سياسةٍ ممنهجةٍ- ولكنها فاشلة- لإقصاءِ جميعِ القوى الحيَّةِ في المجتمعِ، وفي القلبِ منها الإخوانُ المسلمون.
إن ما قامَ به النظامُ لهو حلقةٌ في سلسلةِ عدم مشروعيتِه التي حذَّرنا منها من قبل، فكل ما بُنِيَ على الباطلِ فهو باطلٌ، وهذه الانتخاباتُ باطلةٌ في معظم الدوائرِ؛ الأمر الذي يطعن في شرعية كل ما سيصدر عن هذا المجلس بعد ذلك.
إنه الواجب
الإخوةُ والأخواتُ الكرامُ..
إن ما حدث يؤكد ما قرره الإسلام ويؤمن به الإخوان المسلمون من أن السياسة والأخلاق صنوان لا ينفصلان عن عقيدتنا وفي منهجنا، فالسياسة هي صدق وأمانة ووفاء وإخلاص وتجرد وبذل وعطاء، وليست كذبًا وخيانةً وغدرًا وانتفاعًا وفسادًا، ولذلك كلما قلنا إن الإسلام هو الحل، لأنه يحيي الضمائر ويعلي الأخلاق، قالوا "لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين"، حتى يفسدوا ويزور ويغتصبوا إرادة الشعب، ويستولوا على خيرات البلد، ويفرِّطوا في سيادته وكرامته.
إن السياسة في تصورنا هي الاهتمام بالشأن العام، والحرص على إصلاح الوطن، وحل مشكلات الشعب، ورفع مستواه، والعمل على نهضة الأمة، ولذلك فهي ليست الانتخابات فقط، ولذلك سنظل نعمل في هذا النطاق، بل سنسعى لتوطيد مكانة مصر على المستوى الإقليمي والعالمي من منطلق مبادئنا وأهدافنا.
الإخوةُ والأخواتُ الكرامُ..
لقد آثرْنا اعتراكَ الصعابِ وأداءَ الواجبِ، نعم.. إنه الواجبُ، فالواجبُ علينا- كإخوانٍ مسلمين- أن نفضحَ الظلمَ والظالمين والزُّورَ والمزوِّرينَ، وأن نواجهَه مهما كانت التضحياتُ والعقباتُ؛ عبادةً للهِ، وحبًّا لمصر، ولشعبِها الكريمِ، وأما ما يقترفُه النظامُ من جرائم وظلمٍ وجورٍ وتزويرٍ وتزييفٍ..؛ فهو مردودٌ عليه، وسيبوءُ بإثمِه وإثمِ مَن عملَ به.
وعلى الرغم من كل ذلك فإننا مستمرون على نهجِنا السلميِّ، ولن يستطيع أحدٌ استدراجَنا إلى رد فعل مخالف للقانون أو الدستور يؤثر على أمن واستقرار الوطن، فطريقُنا واضحةٌ، ومرسومةٌ خطواتها، ولن نحيدَ عنها، فنحنُ مصرُّون على نضالِنا الدستوريِّ، لتحقيق الحرية والتنمية لمصر وأبنائها.
شكر واجب
كما أننا نتقدمُ بشكرِنا العميقِ إلى الشعبِ المصريِّ الكريمِ؛ الذي خرج يومَ الانتخاباتِ وتحمَّلَ العَنَتَ والظلمَ، وأبدى رأيَه في مرشحيه، وعبَّر عن حبه وتأييده لمرشحينا رجالاً ونساءً وللمخلصين من بقية المرشحين، ونطمئنُه بأنَّ الله قد اطَّلع عليه من فوقِ سبعِ سماواتٍ، ووقَعَ أجرُه على الله، وأنَّ حقَّه المسلوبَ وإرادتَه المنهوبةَ لن يَضيعا بإذن الله، وسنظل معه في مسيرة الإصلاح حتى نحقق آمالنا جميعًا.
أيها الإخوانُ المسلمون.. أيتها الأخواتُ المسلمات..
لقد أدَّيتم الدورَ المطلوب منكم، وأعذرتم إلى الله، ووقع الأجرُ بإذنه تعالى، فاستمروا على مقاومتِكم الظلمَ والظالمين، ووحِّدوا صفَّكم، وأحسنِوا صلتَكم بربِّكم، وأدُّوا واجبَكم واصبِروا، وتمثَّلوا قولَ اللهِ تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200)، واستمروا على خدمتِكم لمجتمعِكم، وقدِّموا له كلَّ عونٍ تستطيعونه، ولا تأبَهوا بالمغرضين ولا المزايدين الفاسدين المفسدين المزوِّرين لإرادةِ الأمةِ، والله معكم ولن يتركم أعمالَكم.. ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21)
إخواني المرشحين.. وأخواتي المرشحات..
اعلموا أن المهزومَ الحقيقيَّ هو من زوَّرَ وزيَّفَ، ومن عرفَ حجمَه من النتائج الصحيحة لصناديقِ الانتخابات، والمهزومَ هو من استقوى بالأمنِ على المواطنين، ومن لم يحترمْ أحكامَ القضاءِ، واستعانَ بالبلطجة لإرهابِ الآمنين.
لقد أديتم الأمانة بحقِّها، ولا نزكيكم على الله، وقمتم بدورِكم كما كنا نأملُ فيكم، وبرهنتم على مدى حبِّ الناس لدعوتكم، وعلى مدى تعمُقِ وتجذُّرِ جذع الدعوة في المجتمع، فاستمروا على بركة الله في مسيرتكم الدعوية وفي نشاطِكم المجتمعيِّ والخدميِّ لأبناءِ مصر جميعًا، وكونوا خيرَ معينٍ لهم على استبداد النظامِ وفشله وظلمه، واعلموا أن اللهَ لن يضيعَ أجرَ مَن أحسنَ عملاً ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾.
والله أكبر ولله الحمد
وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.. والحمد لله رب العالمين.