08/04/2010
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه..
السلام في الإسلام أساس حركة الأمة..
في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى قيم الإسلام ومبادئه، لما يعانيه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، ناهيك عن الكوارث السياسية التي جرَّتها عليه المناهج الأرضية والصراعات والمطامع الدنيوية، خاصةً بعد صحوة الشعوب واستيقاظ نشطائها نحو التغيير والإصلاح؛ يدرك لا محالة- بعد إفلاس المحتل أو المهيمن أو المحاصر في تحقيق وعوده- أنَّ منهج الإسلام الذي أسعد البشرية دهورًا في تطبيقه هو صراط الله المستقيم؛ الذي فيه إنقاذ البشرية مما تعانيه من آلام ومصائب، بنشره للحرية لا الديكتاتورية، وللعدل لا للظلم، وللنظام والمؤسسية لا للفوضى، وللعفة لا للإباحية، وللوحدة لا للفرقة، فكل جمال إنساني تجده في هذا الإسلام، لقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82)﴾ (النساء).
ومن أعظم ما جاء به الإسلام هو دعوته الواضحة إلى السلام لا العصبية، يقول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية" (رواه أبو داود)، وبذلك أرسى الإسلام قواعد السلام العالمي؛ لأن رسالته عالمية، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (سبأ: من الآية 28)، وأيضًا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)﴾ (الأنبياء: من الآية 107)، فما يهتف به مصلحو العالم اليوم هو الذي أرساه الإسلام من العدالة والحرية والسلام والوئام، وهو ما لم تحققه حتى اللحظة هيئة الأمم المتحدة، ولا مجلس أمنها، ولا من قبلها عصبة الأمم بكل مؤسساتها.
فالسلام في الإسلام أساس حركة الأمة، ففي ليلة كلها سلام نزل القرآن، وتحية الله لعباده السلام، والله تبارك وتعالى اسمه "السلام"، ومن ثم لا يردُّ المسلمون دعوة السلام، لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)﴾ (الأنفال).
فإذا كان الإسلام دين السلام فما موقفه من فكرة الحرب؟!
يقول الإمام البنا: "حين تكون الحرب لردع المعتدي، وكف الظالم، ونصرة الحق، والانتصاف للمظلوم؛ تكون فضيلةً من الفضائل، وتنتج الخير والبركة والسمو للناس".
والشر إن تلقه بالخير ضقت به ذرعًا وإن تلقه بالشر ينحسم
والناس إن ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
* فردُّ العدوان والدفاع عن النفس والأهل والمال والوطن والدين؛ هو إذن الله تعالى للمظلومين.. ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)﴾ (الحج).
* وتأمين الحريات في الدين والاعتقاد للمؤمنين الذين يحاول الأعداء أن يفتنوهم عن دينهم، ويزرعوا الشقاق والنزاع بينهم، هو آية الله البيِّنة.. ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193)﴾ (البقرة).
* والدفاع عن كل المستضعفين جهاد وقتال في سبيل الله.. ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75)﴾ (النساء).
* وحماية الإسلام من المؤامرات والمكائد التي تُحاك باسم معاهدات السلام المزعوم؛ هو أمر الله للمؤمنين.. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا (76)﴾ (النساء).
* وتأديب الذين ينكثون العهود، وإغاثة المظلومين على أيديهم من الأمة، والانتصار لهم ممن ظلمهم؛ هو شعار القرآن الدائم.. ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ (الأنفال: من الآية 72)، وبعده مباشرةً احترام العهود العادلة واجب شرعي.. ﴿إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ﴾ (الأنفال: من الآية 72).
بعد هذا الوضوح علامَ يخشى بعض أبناء الأمة؟
هل يخشون من رفض معاهدة التكبيل المسماة بـ"السلام"، خائفين من الحرب كمبرر للرفض؟! وهل انتهت الحروب مع الصهاينة وفق ما أعلنه السادات في الكنيست الصهيوني: بشِّروا أولادكم أن حرب أكتوبر هي آخر الحروب؟! وهل حقَّقت معاهدة السلام آمالَ الأمة أم كانت سلمًا ظالمًا مغشوشًا قائمًا على التنازلات؟!، وهل معنى إعادة النظر وحتى إلغاء المعاهدة إعلام الحرب؟ فها هو الكيان الصهيوني قد نقض كل عهوده، ولم يحترم ولا اتفاقية ولم يعلن الحرب وإن كان يستعد لها.
* فبعد أكثر من 31 عامًا.. من توقيع المعاهدة لم تتوقف حرب الجواسيس التي هي أكثر من الآلة العسكرية تخريبًا.. ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا وعلميًّا، وآخرها قتل المبحوح على أرض عربية.
* وبعد أكثر من 31 عامًا.. لم تعد إلينا أراضي فلسطين، بل نرى المزيد من تدمير البيوت، وبناء المغتصبات، وتهويد القدس، والتهديد بهدم المسجد الأقصى، والقمع المستمر للمقاومة، والحرب المتواصلة على غزة المحاصرة.
* وبعد أكثر من 31 عامًا.. لم تعد سيناء لمصر إلا شكليًّا، فالجيش والطيران والدفاع محرومون من التواجد، فالمطارات العسكرية محظور استعمالها لأي غرض عسكري، وثلثا سيناء منزوعة السلاح، بل محرومة من التنمية البشرية والاستثمار الاقتصادي بالمشروعات النافعة، وليس بالقرى السياحية وتوابعها.
* وبعد أكثر من 31 عامًا.. يرى بعض المحللين السياسيين أن المعاهدة لم تؤدِّ إلى تطبيع كامل في العلاقات؛ لأنها فرض إرادة طرف على الآخر، فما زالت العلاقات تتسم بالبرودة والفتور.
* وبعد أكثر من 31 عامًا..: ما زال الصهاينة يعبثون بأمتنا، في الامتناع عن التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي التي تهدد أمن مصر، وفي احتلال قرية أم الرشراش المصرية (إيلات)، والتي كانت مدينة الحجاج المصريين، وفي التهديد بهدم السد العالي، وفي بناء الجدارات العازلة، مع التوسع في بناء المغتصبات، خاصةً في القدس.
* وبعد أكثر من 31 عامًا.. تفقد مصر السيادة على سيناء، من أول لحظة أعلن فيها بيجين أثناء تسليمه الشكلي لسيناء: "سنعود إليها، وستجدونها في حوزتنا"، فمصدر السيادة على سيناء انتهي تاريخيًّا لمصر بعد أن أصبح حقًّا للمعاهدة، فمن حق الصهاينة إعادة احتلالها إذا أخلَّت مصر بالشروط المجحفة، بحجة أن الانسحاب كان شرطًا بالاعتراف بكيانهم والتطبيع معه، وفي آخر تصريح لوزير أمنهم يقول: "سنعود إلى سيناء إذا حدث في مصر ما لا يرضينا".
* وبعد أكثر من 31 عامًا.. تصنع المعاهدة طبقة رجال الأعمال المرتبطة مصلحتها بمصلحة المشروع الأمريكي الصهيوني، وليس في محيطها العربي والإسلامي، بتصدير الغاز واتفاقية الكويز، وأصبحت مهمتها اليوم حماية هذه الأجندة داخل مصر، على حساب القوى الوطنية المستبعدة والمحظورة، والتي تتم ملاحقتها لمناهضتها المعاهدة؛ بحجة التحريض ضد الاتفاقية كما نصَّت بنودها.
وبهذا فقد فقدت المعاهدة كل شروطها، فهي لا توافق أحكام الإسلام، ولم تحقِّق مصلحةً للأمة، بل كرَّست المفاسد والكوارث، وامتلأت بالغموض في نصوصها وأهدافها، ولا يعني إعادة النظم فيها وإعطاء الأمة (مصدر السلطات) حقها في أن تقول رأيها فيها بعد هذه التجربة المريرة ذات الحصاد الأمرّ.. لا يعني هذا بالضرورة إعلان الحرب كما يدَّعي من يدَّعون.
لذلك يجب علينا:
أولاً: أن نتحلَّل من المعاهدة لنقض الصهاينة لها، بحربهم المستمرة، وعدوانهم الغاشم على غزة، وقتل قادة المقاومة، فتاريخ الصهاينة يشهد بنقضهم العهود؛ حتى أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن بكرة أبيهم من دولة الإسلام ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 13).
ثانيًا: أن نهتم بالإعداد الجيد لمواجهة التهديدات العسكرية العلنية؛ فلماذا يتمسكون بـ"إسرائيل" الكبرى من النيل إلى الفرات؟ ولماذا المناورات السنوية استعدادًا لحرب قادمة؟!
ثالثًا: أن نلتزم بالتقوى، ونتسلَّح بالصبر والثبات، وندعم المقاومة، يقول تعالى: ﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)﴾ (آل عمران).
فبهذا الواجب وبهذا الثبات ستنهار نظرية الخوف، فالحجارة كانت أقدر من الآلة العسكرية في الانتفاضة الأولى والثانية، والصمود على المقاومة كان أقدر من الحرب المذبحة التي تعرَّضت لها غزة، فالنصر ليس مستحيلاً ما دامت المقاومة مستمرةً، بل كيف نثق في مشروع متربِّصٍ بنا، يقول تعالى: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)﴾ (آل عمران).
وبهذا الثبات ستختفي حرب الأعصاب، وبث الذعر، وإشاعة الفوضى، ونشر التخذيل، والرضا بالانبطاح، وسنرفض منطق المثبِّطين، وسنقوِّي شوكة صفوف المقاومة على قلب رجل واحد.. ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)﴾ (الصف).
وبهذا الثبات نطبِّق السلام الحقيقي الذي ينقذ الإنسانية مما تعانيه: يقول الإمام البنا: "فهل تفيء الإنسانية الحيرى إلى الله، وتتلقَّى دروس السلام- قلبيًّا ونظريًّا وعمليًّا- عن الإسلام دين السلام..؟!
﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)﴾ (النمل)، والله أكبر ولله الحمد.