28/01/2010

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد ...

 

لقد أصبح الإسلام اليوم هو المبدأ الثابت لشعوب أمتنا، الذي يدفعها في نهضتها، وهي في طريق التحرر من السلطان الأجنبي والاستبداد الداخلي، لاستعادة الحياة الكريمة في كل جوانب شئونها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بتوجهها وولائها لله وحده، يقول تعالى : (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97)

 

وقد أراد الإمام البنا إيقاظ الوعي لدى الأمة، بهذه الحياة الطيبة، وهو يدعوها إلى الاستقلال والتحرر، من كافة صور السيطرة وأشكال الهيمنة، بقوله : " اذكروا دائماً أن لكم هدفين أساسيين :

·        أن يتحرر الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي، وذلك حق طبيعي لكل إنسان لا ينكره إلا ظالم جائر أو مستبد .

·   أن يقوم في هذا الوطن الحر دولة إسلامية حرة، تعمل بأحكام الإسلام وتطبق نظامه الاجتماعي، وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته إلى الناس " .

 

لماذا الأمة في حاجة إلى التحرر ؟

 

إن المتأمل اليوم لحال أمتنا، يرى حاجتها الماسة للتحرر من كل سلطان أجنبي : سواء كان ممثلاً بالاحتلال العسكري في أفغانستان والعراق وفلسطين، أو باختفاء الاستقلالية في امتلاك القرار، ورفض الإملاءات، ومواجهة الإغراءات، خاصة أن آثار هذه الهيمنة تترى كل يوم أمام أعيننا، بما يحدث من مذابح ومجازر، تقتل الأبرياء، وتدمر المدن، وتهدم الحياة الآمنة، فماذا بعد أن ظهر للعالم أجمع أن حكومات أمتنا لا تستطيع أن تتخذ قراراً لصالح شعبها، أو لصالح بقائها، إلا بموافقة أمريكا وإسرائيل، ونحوا الإسلام الذي فيه حريتهم جانباً : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ....)(النحل:107), وما الذي غيب عنهم الحقيقة، وأعماهم عن الحق : (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(الاسراء:72), ويشهد على ذلك ما يحدث الآن في غزة من حرب الجدران للإمعان في حصار الأبرياء، مما جعل نتنياهو يشرف من حدودنا المصرية، على بناء الجدار الثالث الشائك، بعد الجدارين الأسمنتي والفولاذي .

 

أو ما يحدث من صراعات داخلية في اليمن والسودان والصومال وباكستان واندونسيا ونيجيريا، بإحداث الفتن وافتعال المواقف، بين المسلم والمسلم، أو بين المسلم والمسيحي، لإفساح الطريق أمام المخطط الصهيوني الأمريكي، في الهيمنة والسيطرة والتدخل في الشأن الداخلي، ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )(البقرة: من الآية217), وهاهي لجنة الكونجرس الأمريكي التي ترأسها يهودية باسم تقييم الحريات الدينية خارج أمريكا، والمرفوضة من الشعب المصري، تأتي لتدعي سلفاً وجود الطائفية والاضطهاد، في وقت ما شكى أحد في مصر منهما، بل رأينا الحقيقة المصرية، حينما حمل أئمة المساجد جثث أربعة مسيحيين ماتوا خنقاً لإنقاذ زميلهم المسلم، هذه هي مصر التي لا يعرفونها ! .

 

إنني لأتساءل ...

 

وإنني لأتساءل مع عقلاء الأمة من المفكرين والكتاب والأحرار :

·   جثث نيجيريا في الآبار ومنشآت الصرف الصحي بعد المذبحة المروعة التي راح ضحيتها المئات من الطرفين ذبحاً وقتلاً وحرقاً، لمصلحة من ؟

·   130 قتيلاً أبادهم زلزال هايتي مقابل كل فلسطيني استشهد في حرب غزة، ومع ذلك الشعب المحاصر في غزة أبدي استعداده للوقوف إلى هايتي، فأين المساعدات العربية والإسلامية الشعبية والرسمية ؟ .

·   مَن الذين يُعانون من الاضطهاد ؟ مَن الذين يطبق عليهم قانون الطوارئ ؟ مَن الذين يجرى عليهم الاعتقال المتكرر ؟ دون اعتبار أو تنفيذ للأحكام القضائية ؟ مَن الذين يُمنعون من الخطابة والتدريس والإعلام والمراكز الرفيعة ؟ مَن الذين يُحاكمون أمام المحاكم العسكرية وهم مدنيون ؟ .

·   بل مَن الذين يُبعدون لمجرد المشاركة الوطنية في قضايا الأمة، بالقوانين المكبلة للحريات ؟ أويُمنعون لمجرد تقديم النجدة في مواجهة الأخطار والكوارث والسيول والأوبئة ؟.

 

 

الطريق إلى التحرر

 

لذلك كان من منهج الإخوان المسلمين الدعوة إلى تحرير الأمة، وهو ما سنظل ثابتين عليه، داعين إليه، عاملين على تحقيقه، وهو المدون علي يد المؤسس الإمام البنا في قوله : " تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعاً، والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، وتأييد الوحدة العربية تأييداً كاملاً، والسير إلى الجامعة الإسلامية " .

 

والطريق إلى هذا التحرر يبدأ من الفرد، بتحرير العقل والروح معاً، فيتحرر من الجهل والخوف والرذيلة والجوع والمرض والمهانة، وهو ما يبعث فيه الايمان ليبدد اليأس، ويرسخ الأمل، وبهذه القوة الروحية نستطيع أن نسلك خطوات التحرير، التي لا لبس فيها ولا غموض، (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(الحج:54)، فالتحرر الذي هو الهداية إلى الصراط المستقيم، يبدأ من تطبيق الإسلام ثم الوحدة ثم نهضة الأمة، ويعتمد على سواعد وجهود أبنائها في كل مكان، فحاجتنا إلى العمل، باتت اليوم هي مفتاح المستقبل المأمول، ولا مجال للأقوال أوالكلمات : (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(التوبة:105), فليس غير الإسلام يحيي الأمل في نفوس اليائسين، ويحيي مفاهيم التحرر والاستقلال والمقاومة، ويقضي على السلبية والانهزامية ببعثه للايجابية وروح العمل في النفوس .

 

فيا أمتنا العربية والإسلامية :

 

إن لديكِ إمكانات هائلة، تحتاج إلى من يعيد اكتشافها، وتوجيهها بما يعود عليها بالنفع، ويوم أن يشعر المواطن بأن له قيمة في وطنه، وأن حقه مُصان، وأن كرامته محفوطة، فسوف تنفجر طاقات الإبداع لديه، وسوف يشارك بايجابية في صنع الحياة، فنحن نريد أوطاناً : يسودها الحق والعدل، وتتحقق فيها الوحدة الوطنية ونبذ العنف والتعصب، وتؤمن بالحرية في الممارسة السياسية، وتتساوى أمام القانون، حيث لا استبداد ولا فساد .

 

فإن أخطر أنواع الغزو, وأشد صور السلطان الأجنبي، ما كان غزواً إجتماعياً، ويصور الإمام البنا مدى التأثر الذي يقع على الأمة نتيجة الغزو الاجتماعي، فيقول : " نجح هذا الغزو الاجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح، فهو غزو محبب إلى النفوس، لاصق بالقلوب طويل العمر، قوي الأثر، ولذلك فهو أخطر من الغزو السياسي والعسكري بأضعاف مضاعفة " .

 

ويا أبناء مصرنا الحبيبة :

 

ألستم تريدون نهضة مصر ؟ ألستم ترضون الإصلاح لمصر ؟ نرجو أن نكون صرحاء ... وهنالك سنلتقي وسنتفق، وستعلمون أن التحرر هو البوابة لإعادة أمجادنا من الفساد والإفساد والذل والفقر والغطرسة والبطش والهوان، وهذا ما جاء به الإسلام من تعاليم نراها منقذاً لأمتنا، ويراها أهل السلطان الأجنبي أكبر عائق يعترض مطامعهم .

 

واعلموا أن بوابة التحرر للعرب والمسلمين هي قضية فلسطين، فلن يعود لنا الوجه المشرق أونسترد سابق نهضتنا، إلا حينما نوقف هيمنة المشروع الصهيوني الأمريكي، والممثل في هذا السرطان الصهيوني، حتي تتحرر مقدساتنا، ونستعيد المسجد الأقصى رغم عمليات التخريب والهدم والتهويد .

 

ويا أبناء هذه الجماعة المباركة :

 

اجتهدوا لتحقيق حب مصر في نفوس الشعب، وشاركوا في كل ميدان لتروا أروع الأمثلة، في التفاني وإخلاص العمل وعلو روح النجدة، فإن للإخوان سوابق في النجدة والهمة، حينما انتشر وباء الملاريا سنة 1945، وحينما انتشر وباء الكوليرا سنة 1947، ويومها وضع الإمام البنا (70 ألفاً) من الإخوان تحت إمرة المسئولين في وزارة الصحة، رافضاً المكافآت التي رصدتها الحكومة لبلاء الإخوان، ورضي الله عن الإمام البنا وهو يصف الإخوان قائلاً : (تقلبت الحكومات وتغيرت الدولات، وهم يجاهدون مع المجاهدين، ويعملون مع العاملين، منصرفين إلى ميدان مثمر منتج، هو ميدان الأمة وتنبيه الشعب ) .

 

 فالإخوان يا أبناءها في كل مكان، مع الحركة الوطنية، يمدون أيديهم بالمشاركة، ويسعون إلى توحيد الجهود، لصالح الأوطان ونهضتها وتحريرها، فهم يبثون روح الوطنية، ويصلحون أي تعدي على حقوق الشعوب، ويتعاونون على استكمال الحرية في كل قطر من الأقطار الإسلامية، وليس ذلك على سبيل طمأننة الناس، فنحن لم نفزعهم، بل على مَن أفزعهم بالارتماء في أحضان السلطان الأجنبي أن يطمأنهم، فمن الوثائق الفرنسية المنشورة مؤخراً : (لقد أرهقنا الإخوان المسلمون من كثرة ما أرسلوا إلينا " أي السفارة الفرنسية بالقاهرة " من العرائض التي تندد ببقائنا في الجزائر، وسائر دول شمال أفريقيا ) . 

 

  فأرسلوا الرسائل، وتكلموا في المحافل، وارفعوا كلمة الحق فوق المنابر، وخاطبوا الفضائيات، وبهذا تنقلون دعوتكم من ميدان الأقوال إلى ميدان الأفعال، فنحن أحرص على مستقبل أوطاننا وحريتها مع أشد الحريصين عليها، وأخلص في إبقائها على وحدتها مع أقوى المخلصين لها، حتى تتحقق أهدافكم، ما دمتم على ذلك ثابتين : (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)(النحل:128).

 

والله أكبر ولله الحمد

 

القاهرة فى : 13 من صفر 1431هـ الموافق 28 من يناير 2010م