أحمد أبو شهاب
منذ سنة ونصف تقريباً مضت وانا ارصد بدقة التحول المذهل للإعلام في مصر ضد نجاحات الثورة .. وكيفية التصدي للإعلام المضلل كثورة مضادة تعمل على إفشال كل خطوة للأمام لصالح الشعب المصري. بدايةً من الإعلام الخاص الذى يشمل كافة القنوات الفضائية المملوكة لبعض من رجال الأعمال .. والقنوات الفضائية الحكومية التي من المفروض ان تكون مع النظام الحاكم القائم الآن الذى إختاره الشعب ولكنها للأسف تعمل ضد النظام الحالي نتيجة لسوء أخلاق الأفراد العاملين بها والمؤيدين لنظام مبارك المخلوع لأن امن الدولة والمخابرات كانت تختار العاملين في الاذاعة والتليفزيون على عناية شديدة بحيث يكونوا موالين للنظام.. وجاء انضمام بعض القنوات الفضائية التابعة لدول عربية شقيقة والتي تخشى أن يزحف عليها الربيع العربي ضمن هذه المنظومة لتكتمل المؤامرة .
وكيف استطاع صناع الخبر في الصحافة المسموعة والمقروءة والمكتوبة التكتل ضد شعوب الربيع العربي التي تريد التغير وتأبى العيش في ظل انظمة فاسدة في محاولة منهم لإفشال المشروع الثوري الديمقراطي الذى طالما انتظرناه طويلاً عبر هذه السنين بعد المحن التي عاشها الكثيرون في السجون والمعتقلات .
ومن خلال تحليلي لكل الاضطرابات التي تحدث في مصر منذ تولى الرئيس محمد مرسى مقاليد الحكم فلقد وجدت ان الصانع الرئيسي في الازمة الراهنة التي نعيشها هو " الإعلام " ودوره الفعال في التضليل و التأثير على الشعوب من خلال اختلاق الاكاذيب والافتراءات وطرح معلومات خاطئة وإصدار تصريحات زائفة ليفهمها الشعب على أنها حقيقة . واتوقع ان المبالغ التي تم رصدها للإعلام المضلل في مصر لإحداث فوضى عارمة في البلاد تتعدى الخمسة مليارات من خلال رؤيتي لضخامة المصاريف التي يتم صرفها على مثل هذه القنوات الضخمة وما تحتويه من بهرجة وإمكانيات عالية الجودة لجذب المشاهد بشتى الطرق ليتمكنوا من جلوسه اكبر فترة ممكنة امام الشاشة الفضائية .
نتعرض يومياً لمائة وعشرين ساعة على الاقل يتم بثها عبر الفضائيات والجمهور يتابعها مجبور نتيجة لعدم وجود بديل إعلامي آخر بنفس الإمكانيات المطروحة . ونتيجة لأن الشعوب العربية تربت على ان كل ما يذاع عبر الفضائيات فهو حقيقة ... فلذلك يجب علينا التصدي ووضع خطة بأي ثمن لكل ما يحاك إعلامياً. الكثير من الشعب يصدق كثير من الأكاذيب التي يتم بثها عبر الفضائيات . فلقد استفاد الرئيس جمال عبد الناصر من الإعلام في خداع وتزوير الحقائق وتلفيقها لجماعة الاخوان المسلمين وكل معارضيه وتحميلهم كل الأخطاء التي مر بها وأخطئ فيها . وايضا استطاع الرئيس انور السادات استخدام الإعلام في القضاء على مراكز القوى الموالية لعبد الناصر ثم جاء دور الرئيس المخلوع حسنى مبارك على مدار ثلاثين عاماً ليخدعنا ويستخدم الإعلام في القضاء على المعارضة وتوجيه اقوى الضربات لهم وشحن الشارع المصري ضد الفكر الإسلامي المعتدل وضد اى ثورة محتملة في المستقبل حتى يمكن إخمادها عن طريق الضجة الإعلامية والأكاذيب التي يلصقها وللأسف صدقها عامة الشعب الفقراء والأغنياء ساعدوه في ذلك .
الصعوبة الكبيرة التي تواجه طرح الحقيقة التي تحتاج بدورها لإعلام قوى ينافس الإعلام الحالي المضلل لنستطيع التغلب على كل الفجوات الإعلامية المتسببة في الأزمات الراهنة . فلابد من التوعية عبر الفضائيات التي لها دور كبير جدا لدى الشعوب لو تم التركيز عليها في الفترة الحالية التي تمر بها البلاد نستطيع من خلالها اختصار الطريق نحو اسى طارئ يهدد الوطن حتى لو كلفنا وقت كبير وسنين ولكن البدء في ذلك الوقت مهم جداً .
اخبرني احد أصدقائي في العراق تزامناً مع الغزو العراقي الاخير انه عندما سقطت بغداد كما اوهمنا الإعلام العربي والدولي ..تم ذلك بالتنسيق بين امريكا والإعلام العربي والانظمة العربية بأثرها . حيث انه تم الاتفاق على الخروج في الصباح التالي والإعلان في توقيت واحد متزامن مع كل الدول المتفق عليها ان تذيع الخبر بأن بغداد سقطت ودخول الدبابات الامريكية إلى قلب بغداد دون النظر كيف تم ذلك أو محاولة التفكير هل الخبر صحيح ام لا رغم الصمود الأسطوري للجيش العراقي في ذلك الوقت امام الآلة الامريكية وحرب العصابات الذى تم مع دول التحالف .. وبالفعل تابع العالم كله خبر سقوط بغداد ولم يتساءل احد هل الخبر صحيح ام لا ...لدرجة ان الجنود العراقيين انفسهم صدقو الخبر وانسحبوا من مواقعهم .
إن صناعة الإعلام في امريكا تمثل السلاح الاستراتيجي الذى لا تقل اهميته عن القنبلة النووية .. في كتاب نظرية الأمن القومي الذى يدرس بمدرسة الحرب الأمريكية، تجد فيه انهم يتحدثون عن الإعلام كجزء من استراتيجية كسب الحروب والمعارك ، وعندما يتحدثون لا يتحدثون عن إعلام الدولة، فلا يوجد فقط إعلام للدولة، إنما إعلام الدولة عندهم هو الموقف الرسمي الذي يتم الحديث فيه اليوم باسم البيت الأبيض أو الخارجية. الخ
ولكن يدّعون أن الإعلام الباقي هو إعلام حر، في حين أن هذا الإعلام الحر، إما ممول من البنتاجون مباشرة ، حتى يمول بعض أفلام البنتاجون أحياناً من أجل الدعاية لإظهار القوة ، أو إما تسيطر عليها شركات صناعة الأسلحة أو الصناعات الثقيلة التي لها مصلحة من خلال استراتيجية الدولة الموجهة .
إن إعلامنا الخاص يجب أن يسير في هذا الاتجاه من هذه الاستراتيجية مع وضع نظريات مناسبة للوضع المناسب للدولة ، لا يمكن لإنسان يعتقد في أمريكا أن هذا الإعلام مستقل مئة بالمئة ، بمعنى ..أن هناك مؤسسات تطبق خطة ما ، يتم الاتفاق عليها مع الدولة لتنفيذ استراتيجية الدولة .
التقيت ببعض الرجال التابعين للحكومة الماليزية عند زيارتي لماليزيا منذ فترة كبيرة واخبروني ان التوعية الإعلامية التي قام بها مهاتير محمد رئيس الوزراء عبر القنوات الفضائية كانت سبب في النقلة النوعية للاقتصاد الماليزي حيث وقف الجميع جنب إلي جنب لنهضة ماليزيا واصبحت الان من نمور آسيا .
كيفية الخروج من هذه الازمة... على مدار السنة والنصف الماضية استطعت وضع استراتيجية بعنوان "حائط الصد الإعلامي " التي تتمثل في إنشاء خمسة قنوات فضائية منوعة الاتجاه وإذاعة ارضية يكونوا بمثابة حائط صد إعلامي بحيث يتم بث خمسين ساعة على الأقل يومياً عبر هذه القنوات للتوعية والتوضيح المستمر ونقل الأخبار بكل حيادية للتصدي للكم الهائل من القنوات المضللة . وليس هناك أي حلول أخرى سوى ذلك .. الإعلام يفعل ما لا تستطيع الصواريخ والدبابات ان تحققه.
ولكى يتم تجهيز حائط الصد الإعلامي نحتاج على الأقل مبلغ مائة وخمسين مليون جنيه مصري لنبدأ في بناء هذه المنظومة من القنوات الفضائية وهذا مبلغ قليل بالنسبة للمبالغ الضخمة التي يتم صرفها على الإعلام في مصر.
كنت في زيارة لاستانبول منذ سنة تقريباً وتمكنت من زيارة المؤسسة الإعلامية لجماعة النور فتح الله كولاى التي تمتلك وتدير ثماني قنوات فضائية. ساعدت حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في وصوله لمقاليد الحكم في تخطى اصعب مرحلة وهى اول سنتين لتأسيس الحكم في البلاد.
لقد عرضت الفكرة على كثير من رجال الأعمال ولكن منهم من تشجع ومنهم من أيد الفكرة ومنهم من اقتنع بالخوض في استثمارات اقتصادية أخرى مهمة للبلاد .. ولكن لن يتحقق اى إنجاز في مصر إلا لو تواجدت منظومة إعلامية قوية بنفس كفاءة المنظومة الإعلامية الهجومية الان بحيث تكون حائط صد رادع لكل ما يهدد استكمال مشروع الرئيس محمد مرسى ولضمان الاستمرار في الصعود الناجح ..
الإعلام المضلل في مصر يريد إرباك الرئيس محمد مرسى ثم إفشاله في الشؤون الداخلية لإدارة البلاد وتشتيت انتباهه بقدر الإمكان للحيلولة من استمراره في القصر الرئاسي ولكن إرادة الله هي التي أتت بالرئيس محمد مرسى لمقاليد الحكم وأصبح بقاؤه في القصر الرئاسي حتى الأن بمثابة معجزة من الله عز وجل .. استطاع كبار رجال الاعمال استخدام الإعلام لتجنيد عناصر إعلامية لها وزنها الإعلامي من خلال متابعة الشعب لهم والتفكير ليلاً ونهاراً في كيفية إزعاج الشعب المصري وكيفية إحداث فوضى عن طريق التركيز الإعلامي الموجه لإحداث اكبر قدر من الفوضى يؤدى إلى عدم استقرار سياسي فيصبح مانع للاستثمار فيقل الاقتصاد فيشتكى الشعب من القصور في شتى المجالات فتقل شعبية الرئيس محمد مرسى..
وكان من ضمن اقتراحاتي أن يصبح كل فرد منا هو الإعلام البديل ونزول الأفراد في شوارع القاهرة في مترو الانفاق في ملاعب الكرة في المنتزهات في السينما في المقاهي في المؤسسات والمصالح الحكومية والكل يتحدث بالحقيقة التي نعيشها. ونعطى الامل للشعب ونفسر الرؤية الحالية وما يحدث من مشاكل مفتعلة في المستقبل وإظهار مقومات البلد ومواردها الكثيرة التي تحتاج الصبر حتى نستطيع إخراجها للنور.. اعتقد سيكون هناك نتيجة سريعة لأن تأثير الشارع وانحياز الشعب لنا سيكون اوقع من أي شيء ... النخب السياسية لا تمثل اهمية اكبر من اهمية دور الشعب وانحيازه للرئيس محمد مرسى لأن الكتلة المترددة من الشعب عند اقتناعها ستمثل محور قوة.
مثال :-
دعوة الاخوان المسلمين التي لها خمسة وثمانين عام وبما تحمله من اخلاق ووضوح ومسؤولية وصدق في الرسالة لا تقارن بأخلاق ودعاية انفلونزا الخنازير التي باتت معروفة لدى الجميع وهدفها تجارى في خلال وقت قصير جدا لا يتعدى شهور، اقصد من هذا المثال، ان الاعلام بدوره الفعال نستطيع ان نوصل به معلومة بصدق او كذب في لحظة لكل العالم.
الاعلام لا يمكن ان يوصل رسالته بالشكل المطلوب ولا يؤثر بالشكل الحقيقي ولا يمكن للمتلقي ان يجعل ثقته الكاملة فيه، إلا اذا تم التخطيط السليم لتوجيه الإعلام نحو المجتمع بطريقة سليمة تخدم الدين والوطن والشعوب .. ولكن الكل يقتنع بأن تأثيره إيجابي في كل الأحوال.
عندما قرر فرعون ايذاء سيدنا موسى .. حاول هزيمته بشتى الطرق وفى النهاية استقر على اقوى وسيلة لهزيمة سيدنا موسى وهى "وسيلة الإعلام" اذ بعث في المدائن حاشرين ينادون بكل ما يفعله موسى ضد فرعون ظلماً وبهتانا وافتراء .. واضطر موسى ان يترك الارض سنين ليعد نفسه من جديد ليعود حتى يواجه فرعون لينتصر عليه .. وانتصر في النهاية بالصبر عندما اخذ بالأسباب .. ما اقصده من هذه الواقعة ان الإعلام يفعل ما لا تستطيع الصواريخ والدبابات ان تحققه.
واذكركم كيف سقط الاتحاد السوفيتي من خلال الحرب الإعلامية والنفسية والاقتصادية. وايضا في اوروبا الشرقية كيف سقطت، ليس بالعامل الاقتصادي فقط ولكن بالتضليل الإعلامي. وهذا ما يتم تطبيقه الان في مصر والله غالب على امرهم.
وقد عرف الاعلام في الماضي بخدمته لمصالح الدولة والجهات المسؤولة في الدولة ليؤسس لهم القداسة ويصنع لهم مبادئ الاستبداد فلا تجد الا الحديث عن الرئيس المستبد طول الوقت ليصنع لنفسه هيبة ليست موجودة عنده.. مثلما فعل الرئيس عبد الناصر والمخلوع حسنى مبارك وهتلر وتشرشل وكمال اتاتورك وقادة اوروبا .
تشير كل الإحصائيات والدراسات التي تم إجرائها إعلامياً على مدار سنة مضت على مدى انحياز الإعلام للثورة او للشعب لتوضيح الفارق الأساسي في التأثير الذى له دور لدى الشعب المصري. فقد وجد ان 93% للإعلام الخاص تتوجه ضد الثورة و 67% للإعلام الحكومي تتوجه ايضاً ضد الثورة والشعب.. هناك تخبط إعلامي وأكاذيب يطلقها الإعلام المضلل يوم بعد يوم تجاه الشعب والثورة والإسلاميين بوجه التحديد في محاولة منهم إرباك الرئيس محمد مرسى والمؤسسة الرئاسية للحيلولة دون صعود المشروع الإسلامي ومحاولة لإفشال ثورة 25 يناير .. نتيجة مذهلة في ظل ما تمر به البلاد من اضطرابات.. السبب الرئيسي فيها فساد الإعلام والإعلاميين وإلا من رحم ربى .. الدراسة تؤكد مدى دور الإعلام ومشاركته في إفساد الحياة السياسية وكيف يلعب دور رئيسي في تعكير صفو الشعب المصري لأنه كان في القديم سلاح فعال يستخدمه نظام مبارك بل كل الأنظمة في العالم ومازالت تؤكد على اهمية هذا السلاح في الوقت الحالي.
نستطيع ان نصنع إعلاماً يخدم كل مؤسسات الدولة ويساعد في تحقيق خطة الدولة الاستراتيجية للنهضة.. ولن يتحقق ذلك إلا لو امتلكنا إعلامنا يوازى نفس الإعلام القائم في الوقت الراهن. هناك اطراف معنية لها مصلحة عليا في هدم كل الإنجازات التي تحققها حكومة الرئيس محمد مرسى.
العامين القادمين هم اخطر مرحلة تمر بهم مصر من حيث الصعود للقمة للقيادة الفعالة . فإذا توحدت كل الجهود لدعم هذه المرحلة فلن يستطيع احد ان يحيدنا عن تكملة الطريق . الحل الأول في تجاوز هذه المرحلة هو سلاح الإعلام إذا تم الإعداد له بطريقة سليمة بتكلفة عالية جدا للوصول لأعلى شريحة ممكنة من الشعب المصري وإيجاد بدائل إعلامية أخرى تصل لكل الشعوب العربية لحثها على التوعية وكيفية متابعة الإعلام الصادق وكيفية اكتشاف الإعلام المضلل لضمان نجاح المرحلة المهمة التي تمر بها مصر للوصول للنهضة.
لاشك ان التحديات كثيرة ولكن مواصلة الطريق والإصرار والثقة في النصر من اهم اسباب النجاح .
العلاج الحقيقي يتمثل ان يعرف المجتمع حقيقة ما يدور وما يحدث من حوله لأن الحقيقة جزء من العلاج تجعل الإنسان على يقين ان هناك تغيير ممكن رغم كل الظروف المحبطة التي تحيط به ويضع وقت لإنجاز التغيير.
__________
مدير مركز ارتقاء المعلومات للتنمية والتطوير
للتواصل :
[email protected]
http://www.facebook.com/ahmedboshehab