نشرت صحيفة ليزيكو الفرنسية تقريرا حول الكلفة المالية لظاهرة الاحتباس الحراري على كوكب الأرض، بحثت فيه أهم التأثيرات المدمرة لهذه الظاهرة الخطيرة على اقتصادات الدول، مستعرضة أهم البحوث والدراسات الواردة في هذا الشأن.
وقالت الصحيفة، في تقريرها، إن تقرير "ستيرن" الصادر سنة 2006؛ قدر تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري على العالم بما يتراوح بين 5 و 20 في المئة من الناتج المحلي لدول العالم. ولكن في الفترة الأخيرة، أصبح علماء الاقتصاد يمتنعون عن تقديم مثل هذه التقديرات، ويكتفون بالتحذير من أن تكلفة هذه الظاهرة تتزايد يوما بعد يوم، ولا يمكن حصرها أو تقديرها بشكل دقيق.
ونقلت الصحيفة عن الباحث الفرنسي جان مارك جانكوفيتشي، قوله: "تخيلوا عالما يموت فيه 30 في المئة من سكان الأرض بحلول سنة 2089 بسبب الأمراض، ويصبح نصف اليابسة صحراء مع حلول سنة 2080، وتختفي فيه التيارات المائية الدافئة من المحيط الأطلسي. كل هذه الفرضيات المرعبة أصبحت واردة جدا بسبب تزايد نسق ارتفاع حرارة الأرض، ولكن رغم وضوح هذه الظاهرة، فإن علماء الاقتصاد ليس بإمكانهم في الوقت الحاضر حصر التكلفة المادية لهذه المشكلة".
كما نقلت الصحيفة عن الباحث الفرنسي باسكال كونفان، وهو وزير تنمية سابق ومؤلف كتاب "ثلاثون سؤالا لفهم قمة المناخ في باريس"، قوله: "إن احتساب التأثير الاقتصادي للاحتباس الحراري بشكل دقيق يبقى مستحيلا، حيث أن الحوادث الخطيرة والكوارث الطبيعية التي ستحدث بسبب هذه الظاهرة في المستقبل لا يمكن من الآن توقع حجم الضرر الناجم عنها، ولكن الشيء المؤكد هو أنه عندما تنعقد قمة المناخ لبحث هذه المسألة، فإن الجميع سيتفقون على أن حجم الضرر في ارتفاع مستمر".
وذكرت الصحيفة أن علماء اقتصاد من الوزن الثقيل حاولوا عدة مرات البحث في الكلفة المادية لظاهرة الاحتباس الحراري، ومن أشهر هؤلاء العالم البريطاني نيكولاس ستيرن، الذي شغل منصب رئيس البنك الدولي. وقد قدر ستيرن، في تقريره الذي أثار ضجة عند صدوره سنة 2006، "أن تخاذل دول العالم في مواجهة ظاهرة اختلال توازن البيئة سوف يكلفها خسائر تصل إلى 6800 مليار دولار، أي ما بين 5 و20 في المئة من الناتج المحلي، وهو تأثير يضاهي الدمار الذي سببته الحربان العالميتان وأزمة الثلاثينيات مجتمعة".
وذكرت الصحيفة أن تقديرات العالم البريطاني كانت محل انتقاد من قبل عدد من الباحثين، بسبب عدم مراعاة هذه التقديرات لعامل الزمن، حيث اعتبر معارضوه أنه لم يأخذ بعين الاعتبار نمو الإنتاج العالمي خلال العقود القادمة، كما أنه بالغ في تقدير حجم الخسائر الناجمة عن الاحتباس الحراري.
وذكرت الصحيفة أنه منذ صدور تقرير ستيرن، انكب علماء الاقتصاد على القيام بتحليلات وحسابات جزئية، تتناول كل قطاع اقتصادي على حدة. وقد خصص التقرير الخامس للجنة الدولية للتغيرات المناخية، الذي تم نشره السنة الماضية، حيزا مهما لهذه المسألة، دون تقديم أرقام محددة، حيث ذكر أن القطاعات المهددة بسبب هذه الظاهرة هي قطاعات الصناعات الطاقية والمياه والبنية التحتية المخصصة للنقل، والسياحة، والصحة وقطاع التأمين.
ونقلت في هذا السياق عن فرانك لوكوك، وهو مدير المركز الدولي لبحوث المحيط والتنمية، قوله: "من الواضح أن ذوبان الثلوج على، سبيل المثال، سوف يقضي على أنشطة التزلج على الجليد، كما أن هجرة الذباب سوف تؤدي لنشر أمراض خطيرة، ولكن لا يمكننا حساب الكلفة المالية لهذه الظاهرة على قطاع التأمين الاجتماعي".
كما نقلت الصحيفة عن هنري ديكاستري، رئيس مجموعة "أكسا" الفرنسية للبنوك والتأمين، قوله: "إن عالما ترتفع فيه الحرارة بدرجتين يمكن العيش فيه، ولكن عند ارتفاع الحرارة بأربع درجات فإن ذلك لن يكون مضمونا".
وذكرت الصحيفة أن تقارير البنك الدولي حول الخسائر السنوية الناجمة عن الكوارث الطبيعية التي يسببها الاحتباس الحراري؛ بينت أن هذه الخسائر ارتفعت من 50 مليار دولار خلال الثمانينيات إلى ما يقارب 200 مليار دولار في العشرية الأخيرة.
واعتبرت الصحيفة أن هذه الأرقام المفزعة؛ تبين أن ثمن السكوت على هذه الظاهرة أكثر بكثير من ثمن رصد ميزانية لمقاومتها.
كما ذكرت الصحيفة أن حوالي 20 فريق بحث حول العالم تقوم بدراسة تأثير هذه الظاهرة، وقد خلصت إلى أن حجم الخسائر في الاقتصاد العالمي سيبلغ ما بين 1 و 3 في المئة بحلول سنة 2030، وبين 2 و6 في المئة بحلول سنة 2050، وبين 3 و12 في المئة بحلول سنة 2100.
ولكن الصحيفة أشارت إلى أن هذه التقديرات التي تتوقع تأثيرات محدودة؛ تبقى أيضا محل تشكيك، حيث أن أغلب هذه الدراسات تفترض أنه في السنوات القادمة ستقوم الدول باتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري، وتتخيل أن انبعاثات الغازات الدافئة ستختفي بحلول سنة 2060.
وقالت الصحيفة إن بعض التقديرات الأكثر تفاؤلا بخصوص هذه الظاهرة؛ تتوقع أن تكون الأضرار محدودة بفضل فكرتين جديدتين، وذلك في حال تم تطبيقهما. وتتمثل الفكرة الأولى في تقنية الكتلة الحيوية التي تمكن من التحكم في تأثيرات الكربون على المحيط، والفكرة الثانية تتمثل في عملية تشجير ضخمة لاستعادة الغطاء الغابي للكرة الأرضية.
ولكن هاتين الفكرتين أيضا تقابلان بمخاوف من تأثيرهما على التنوع البيئي وعلى الأمن الغذائي، وهو ما يعني أن الجدل بشأن كلفة ظاهرة الاحتباس الحراري وسبل مكافحتها يبقى بعيدا عن الحسم.