16/12/2008

أفردت وسائل الإعلام الأمريكية مساحات واسعة من إصداراتها أمس الإثنين لواقعة قذف صحفي عراقي الرئيس الأمريكي جورج بوش بالحذاء، واصفة إياها بأنها "أكبر إهانة" يمكن أن يتعرض لها شخص في البلدان العربية، واعتبرتها دليلا على "هشاشة الأمن الأمريكي" في العراق؛ "حيث تغلب الحذاء العراقي على جميع التحصينات والأسلحة الأمريكية التي أحاطت ببوش".
 
ومن اللافت أن مواقع الصحف وشبكات التلفزة الأمريكية على الإنترنت التي أوردت الخبر خلت تقريبا من أي انتقاد لتصرف الصحفي العراقي، بينما تفاوتت ردود الفعل عربيا، فرغم احتفاء معظمها بالواقعة فقد اعتبر بعضها أنه "لا يجب أن نقابل الإساءات الأمريكية التي ننتقدها في العراق بإساءة مماثلة تعطي صورة غير حضارية عن العرب للأمريكيين".
 
وحرصت وسائل الإعلام الأمريكية على تقديم الحدث بجميع تفاصيله مدعوما بالصور والفيديو، وأبرزته على ما عداه من أنباء زيارة بوش المفاجئة للعراق مساء أمس الأحد، وفيها توقيعه للاتفاقية الأمنية مع الحكومة العراقية، والتي يراها "رمز النصر" الأمريكي في العراق بنهاية ولايته.
 
"واشنطن بوست" اعتبرت أن بوش "ذاق برمية الحذاء بعضا من النقمة العارمة التي تغلي بها صدور العراقيين على احتلاله لبلدهم وممارسات الجيش الأمريكي هناك"، وكان اللافت أن فيديو الحادث الذي نشره موقع الصحيفة احتوى على إعلان لإحدى شركات السيارات قبل عرض الفيديو فيما يبدو أنها إشارة للإقبال الكبير على من يرغبون في مشاهدة رمي الرئيس بالحذاء.
 
وقالت الصحيفة: إن رمي الأحذية يعتبر في نظر العراقيين "أسوأ إهانة يتعرض لها أحد، وتعني ضياع احترامه"، كما أشارت إلى استطلاعات الرأي التي أظهرت أن معظم الأمريكيين يعتبرون أن غزو العراق كان قرارا خاطئا.
 
وبالتفصيل تناولت شبكة "سي إن إن" على موقعها الإلكتروني الحادث، مشيرة أيضا إلى أن رمي شخص ما بالحذاء يعد "رمزا لإهانة بالغة في ثقافة المسلمين".
 
وحاول بوش التشويش على حادثة الحذاء بقوله إن تصرف الصحفي "لا يمثل الشعب العراقي، ولكنه سلوك معتاد يحدث في المجتمعات الحرة عندما يسعى الناس للفت الانتباه".
 
غير أن موقع ( إيه بي سي) رأت أن كلمات بوش تلك التي تندر بها على الحادثة "لم تخفِ الإهانة".
 
وعلق عدد من قراء الموقع على الخبر بشكل عبر عن مشاعر قطاع كبير من الأمريكيين إزاء بوش، حيث قال من وقع باسم "جمهوري سابق" هذا الشخص (بوش) عليه أن يبقى في العراق أو أن يغادر إلى إفريقيا لأنه أسوأ رئيس في تاريخ أمريكا، فيما قال آخر: "هذا شيء جيد أن يحدث لمثل هذا المخلوق".
 
وكان بوش قد تعرض للرمي بالحذاء خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مساء أمس الأحد برئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حين فوجئ بمراسل قناة "البغدادية" منتظر الزيدي يرشقه بـ"فردة" حذائه الأولى التي طاشت عن هدفها؛ ما دفعه لرميه بـ"الفردة" الثانية التي اضطر بوش للانحناء لتفاديها.
 
وصرخ الزيدي بأعلى صوته وهو يلقي بالحذاء الأول في وجه بوش قائلا: "هذه هي قبلة وداع الشعب العراقي لك أيها الكلب"، وأضاف مع إلقائه الحذاء الثاني: "وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق"، وأصاب الحذاء هذه المرة العلم الأمريكي المعلق خلف بوش.
 
 
أمريكا لم تنتصر
وكانت الدلالة الأبعد في حادثة الحذاء ما عبرت عنه شبكة "فوكس نيوز" التي اعتبرت أن توديع العراقيين لبوش بنفس الطريقة التي أسقطوا بها تمثال الرئيس الراحل صدام حسين في ساحة الفردوس عام 2003 (الضرب بالحذاء) يعني أنه "لا نصر أمريكيا حقيقيا في العراق".
 
وفي الجانب الأمني اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنه رغم أن بوش لم يصب مباشرة بالحذاء فإن الحادث "كان له وقع كبير عليه وعلى المحيطين به لأنه كان متلفزا".
 
إضافة إلى أن الحادث كان له خطورة أمنية - وفق الصحيفة - حيث أظهر أنه بالرغم من أن المؤتمر أقيم في المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد بأحدث وسائل الحماية الأمنية، فإن كل هذا "لم يمنع الأحذية من أن تكون سلاحا في يد صحفي يستهدف به بوش".
 
الكتاب العرب : وداع لائق بمجرم حرب
 
وعربيا حفلت وسائل الإعلام بالتعليقات التي تحتفي بالواقعة الفريدة، ووصف بعضها الصحفي العراقي بـ"البطل"، واعتبر عبد الباري عطوان في صحيفة "القدس العربي" أن الرمي بالحذاء "وداع لائق بمجرم حرب"، وهو ما اتفق معه فيه الدكتور صلاح الدين سلطان فى مقالت المنشورة بنافذة مصر .
 
وذهب موقع "العراق للجميع" لأبعد من ذلك حين اعتبر أن "المذلة" التي تعرض لها بوش بالحذاء أكبر من المذلة التي أذل الله بها فرعون (الغرق) وقارون (الخسف بالأرض)، حيث أجبر العراقيون بوش على "أن ينحني لحذائهم".
 
غير أن العديد من الكتاب العرب لم يتفقوا مع وجهة النظر تلك، معتبرين أن تصرف الصحفي العراقي لم يكن "حضاريا"، ومن هؤلاء الكاتب المصري مكرم محمد أحمد الذي اعتبر أن هذا التصرف لم يكن "لائقا بمهنة الصحافة"، وأنه كان يجب على الصحفي أن يعبر عن غضبه بقلمه فقط.
 
وفي سياق متصل أعلن اتحاد المحامين العرب من جانبه على لسان أمينه العام سامح عاشور أن الاتحاد سيكلف عددا من محاميه بالدفاع عن الصحفي العراقي منتظر الزيدي حال تعرضه للاعتقال أو للمحاكمة.
 
كما صرح خليل الدليمي، محامي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، أن 100 محام سوف يتولون الدفاع عن منتظر.
 
ولم يخل الأمر في التعليقات العربية من الطرائف.. فالكاتب مصطفى بكري اعتبر أن إلقاء الحذاء على رئيس أقوى دولة في العالم ينبئ بأن الحرب العالمية المقبلة ستكون "بالأحذية".
 
أما الكاتب الصحفي الساخر بلال فضل فقد أبدى إعجابه بـ"دقة تصويب" الزيدي وسرعته، معربا عن انضمامه للكثيرين الين أبدوا فرحتهم مما حدث إلا أنه أضاف: "بينما نلمس فرحا عربيا شعبيا واسعا بقذف بوش بالحذاء، فإن هؤلاء العرب أنفسهم يضربون من قبل حكامهم يوميا بالأحذية!".
 
 
دعوات الكترونية وحملات على الفيس بوك

 

 

 

رميتا الزيدي أطلقتا العديد من المجموعات على "فيس بوك" جميعها تدعم تصرفه، وتدعو إلى الدفاع عنه، وتطالب أقرانه بأن يحذو حذوه مع "كل من هم على شاكلة بوش".

من هذه المجموعات، "الحملة الشعبية لإعادة الجزمة اللي اضرب بيها بوش"، و"معا كلنا ندافع ونؤيد الصحفي اللي رمى الجزمة على بوش"، و"مطلب شعبي.. الجزمة الشهيرة يجب وضعها في متحف خاص أو في مزاد عالمي".

وقالت المجموعة الأخيرة: إن هناك "متاحف عالمية للآثار والمعادن ومتاحف الشمع ومتاحف للأسماك ومتاحف زراعية.. إضافة إلى متاحف مخلفات الحروب وغيرها.. ومزادات عالمية لأقلام ونظارات وأوراق، بل قصاصات ورق وقطع قماش لشخصيات أقل شهرة على مستوى العالم".

وتساءلوا: "ألا تستحق هذه الجزمة (الخاصة بالزيدي) أن يتم وضعها في متحف عالمي عظيم.. أو يقام لها مزاد عالمي كبير؟!".

مزاد بـ 10 ملايين دولار

وبالفعل عرض المواطن السعودي، حسن محمد مخافة، من منطقة عسير جنوبي غربي المملكة، شراء حذاء الزيدي بعشرة ملايين دولار.

وقال مخافة "60 عاما"، وهو مدرس مرحلة ابتدائية متقاعد، في تصريح لموقع "العربية. نت": إن المبلغ جاهز لديه، وسيقوم بتسليمه مقابل الحذاء، الذي يعتبره أغلى من كل عقاراته وأملاكه، وسيورثه لأولاده؛ ليصبح "مزارا باسم وسام الحرية".

وأضاف أنه افتتح المزاد بمبلغ عشرة ملايين دولار في منتديات عسير الإلكترونية، وأنه تلقى رسائل تأييد ورغبات في المساهمة من وجهاء وشيوخ في قبيلته وشخصيات في العالم العربي.

الحملة الشعبية لإعادة الجزمة

مجموعة أخرى، هي "الحملة الشعبية لإعادة الجزمة اللي اضرب بيها بوش"، دعت إلى إطلاق "حملة شعبية لاستعادة الجزمة اللي اضرب بيها بوش لإعادة محاولة قذفه".

وعلى "يوتيوب"، أشهر موقع على الإنترنت لتداول مقاطع الفيديو، حول نشطاء فيديو إلقاء الحذاء على بوش إلى جزء من مباراة كرة قدم، يعلق عليه المعلق الكروي المصري البارز، مدحت شلبي.

وبينما يلقي الزيدي حذاءه يعلق شلبي بعبارته الشهيرة كلما شهدت المباريات تسجيل أهداف: "هلا هلا هلا.. حلوة يا بني.. كانت فين من زمان دي.. روعة.. هدف جميل جميل".

"عذرا أيها الحذاء"

وزخرت مواقع الإنترنت بآلاف التعليقات والنكات، وعلى موقع "عمون" الأردني سجل خبر إلقاء الحذاء على بوش رقم قياسيا في التعليقات، بتجاوزه الـ500 تعليق في أقل من ساعة.

وحذر أحد المعلقين على الخبر الصحفيين في العالم العربي من أن مؤسسات الدول المختلفة ستمنع دخول الصحفيين بأحذيتهم، واعتبر آخر حذاء الزيدي "أجمل هدية لبوش قبل ليلة الكريسماس"، متمنيا عليه أن "يحتفظ بالهدية العزيزة على قلبه".

وعلق مشارك قال إنه أردني بأن الزيدي "فش غل" الأردنيين، أما من أطلق على نفسه "أستاذ جامعي" فحمل بشدة على بوش بقوله: "عذرا أيها الحذاء"، فيما أعرب ثالث عن خيبة أمله لعدم إصابة الجزمة هدفها.

أكثر ما ركز عليه المدونون العرب في تغطيتهم للحدث هو أن خلع الجزمة من أجل التلويح أو الضرب بها له "فقه خاص لدى العرب"، فهو تعبير عن الإهانة والكراهية الشديدة للآخر.

واعتبر شباب على الإنترنت أن ضرب بوش بالجزمة هو "التطور الطبيعي لنظرية عولمة الجزمة، بعدما كانت منتشرة فقط في العالم العربي".