02/12/2010

قالت صحيفة الجارديان البريطانية أن تغطية الإنتخابات البرلمانية المصرية هذا الاسبوع كانت تجربة سيريالية، حيث وصف جاك شينكر مراسل الصحيفة بعض المشاهد التي قابلته مثل قيام رجال الأمن بقطع الكهرباء في بعض اللجان لمنع المراقبين من مشاهدة صناديق الإقتراع المحشوة ، ليقوم بعدها مرشحو المعارضة بإشعال المشاعل و يقودوا الطريق وسط الظلام.

و قال شينكر بأنه في اليوم التالي للإنتخابات قام مراقبو المجتمع المدني و نشطاء حقوق الإنسان و الصحفيين بعرض أمثلة لإنتهاكات فظيعة من عمليات شراء الأصوات و ترهيب الشرطة للناخبين، معتبراً أن حتى مجرد إستخدام كلمة "مخالفات" يساعد في إضفاء نوع من الشرعية الزائفة على ما وصفه بـ"المسرحية الإنتخابية".

و تهكم قائلاً بأن اللجنة العليا للإنتخابات قامت شاكرة بإزالة أي سوء فهم حول ما إذا كان هذا البلد قد أجرى لتوه عملية ديموقراطية خطيرة أم لا، حيث قام المتحدث باسم اللجنة بالإعلان عن فوز الحزب الوطني بـ97% من المقاعد في الجولة الأولى فقط و أن جماعة الإخوان المسلمين و التي كانت تشكل كتلة المعارضة الأكبر في البرلمان لم تحصل حتى على مقعد واحد، و تعجب من تصريح المتحدث باسم اللجنة بان الإنتخابات تمت بشكل صحيح و أن النتائج "تعكس إرادة الناخبين المصريين".

و أضاف ساخراً بأن بيان اللجنة العليا للإنتخابات يعفيه من عبء التظاهر بأن ما حدث هذا الاسبوع و سيتكرر مجدداً الاسبوع القادم في جوله الإعادة لا يعتبر بأي شكل نوعا من الإنتخابات، معتبراً أن أفضل وصف لما حدث بأنه مسرحية هزلية –غير متقنة- قدمتها النخبة السياسية في مصر، متسائلاً عن الهدف من هذه المسرحية.

و لفتت الصحيفة إلى أنه مع إقتراب فترة حكم الرئيس مبارك من نهايتها فإن النظام يواجه الآن سنة من التقلبات السياسية تتسابق فيها الأطراف المتنافسة داخل الحزب الوطني لمحاولة وضع نفسها في موقف الوريث الطبيعي، مشيرة إلى أن هذه الإنتخابات البرلمانية عكست القليل من ديناميكية هذا السباق، و أن هذه الإنقسامات داخل الحزب الوطني ستزداد حدة عندما يأتي وقت إتخاذ القرار حول ما إذا كان ينبغي على الرئيس مبارك أن يترشح لفترة رئاسية جديدة.

و ترى الصحيفة أن الإنتخابات البرلمانية كانت بمثابة إستعراض يهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن عملية إنتقال السلطة ستتم من داخل الحزب الحاكم و أن كل الأصوات الأخرى سيتم إستبعادها، مشيرة إلى أن هذه الرسالة لا يمكن التقليل منها، فهي بمثابة تحذير للشعب المصري بأنه لن تكون هناك أي سبل عامة للتقدم بالشكوى و لن تكون هناك أي ضغوط من شأنها أن تمكن أي شخص خارج السلطة من التحدث أو محاولة المساعدة في تحديد الإتجاه الذي ستأخذه هذه البلاد. و نقلت الصحيفة عن شادي حميد الباحث بمركز بروكينجز قوله بأن النظام لن يقوم بالمجازفة بفرص بقاؤه في السلطة، مضيفاً: "نحن ندخل في ما ستكون احدى أصعب الفترات في تاريخ مصر الحديث".

و قالت بأن هذا على المدى القصير يعني بأن نظام الرئيس مبارك سيستمر، و لكن على المدى الطويل يعني عدم اليقين، لأنه في ظل الضغوط الإجتماعية و الإقتصادية والديموغرافية التي تفرض نفسها على مصر، فإن الإستمرار في الوضع الراهن إلى الأبد ليس خياراً قابلاً للتطبيق.

و أكدت على أن الأنظار كلها تتجه الآن صوب واشنطن و التي أصدرت بياناً باهتاً عن "إنزعاجها" مما حدث في الإنتخابات البرلمانية. و كما يشير حميد، فإن النية الواضحة للنظام بعدم ترك أي فرصه للمعارضة في الفترة التي تسبق عملية إنتقال السلطة تضع إدارة الرئيس أوباما في موقف صعب، خاصة و أن الجزء الأكبر من المنطقة مثل الأردن و المغرب و البحرين يسير في إتجاه معاكس نحو أشكال أكثر إتقاناً من الاستبداد.

و أضافت الصحيفة بأنه وبلا شك فإن حلفاء مصر من الدول الغربية لا توجد لديهم أي رغبة في رؤية هذا البلد يتبنى أي شكل من أشكال الديموقراطية الحقيقية، مؤكدة على أن مجرد الحديث مع ضحايا تعذيب الشرطة في الإسكندرية يكفي لفهم إلى أي مدي يقوم المجتمع الدولي بدعم قمع أي معارضة من شأنها أن تخل بقبضة مبارك على السلطة.

إلا أن التزوير الصارخ في الإنتخابات الأخيرة قد يمثل مشكلة لمشجعي نظام الرئيس مبارك لأنه يزيل القناع الزائف الذي يضعه النظام، و من الممكن أن يتسبب في مشكلات لا يمكن تخيلها في المستقبل، بحسب الصحيفة.

و يعتقد حميد بأن مهزلة الإنتخابات الأخيرة ستثير جدلاً داخل الدوائر السياسية الغربية حول مدى الحكمة في الوقوف إلى جانب الرئيس مبارك، و يقول: "أجراس الإنذار تدق... و نتائج الإنتخابات ستفرض حقاً نقاشا، بغض النظر عما إذا كان النقاش سيؤدي إلى تغييرات ملموسة في الإستراتيجية.. فهذه قصة مختلفة".

و انتهت الصحيفة قائلة بأن القصة الحقيقية لعملية الإنتقال السياسي المقبلة في مصر يجب أن تتم كتابتها في مكان آخر خارج الأروقة الدبلوماسية الغربية و خارج النخبة التي سيطرت على البلاد لفترة طويلة، و اختتمت بالإشارة إلى أن الستار قد فتح و أن العرض قد بدأ للتو.

ـــــــــــــ

المصدر : المصريون