فجر الاعتراف الإسرائيلي الرسمي بـ"أرض الصومال" (صوماليلاند) كدولة مستقلة، عاصفة دبلوماسية في منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط، محولاً البحر الأحمر إلى بؤرة توتر جديدة قد تعيد رسم التحالفات الأمنية والاستراتيجية.

 

ففي خطوة وُصفت بـ"اللعب بالنار"، كسرت تل أبيب العرف الدولي، لتصبح أول دولة تعترف بالإقليم الانفصالي، في صفقة أثارت شكوكاً عميقة حول أبعادها الخفية، خاصة مع تسريبات إسرائيلية ربطت الاعتراف بقبول الإقليم استقبال مهجرين من قطاع غزة، وهو ما نفته هرجيسا جملة وتفصيلاً.

 

هذا التحرك الإسرائيلي، الذي جاء في توقيت حساس إقليمياً، قوبل برفض قاطع من 21 دولة عربية وإسلامية، وسط تحذيرات مصرية وصومالية من تداعيات كارثية على أمن الملاحة في باب المندب، وتهديد مباشر لوحدة الصومال، ما ينذر بمواجهة دبلوماسية شرسة قد تتجاوز البيانات إلى تحركات على الأرض.

 

إجماع عربي إسلامي: "لا لتقسيم الصومال"

 

شكل البيان المشترك لوزراء خارجية 21 دولة، بالإضافة إلى منظمة التعاون الإسلامي، جدار صد أولي في وجه المخطط الإسرائيلي.

 

فقد أكدت دول ثقيلة مثل السعودية ومصر وتركيا والجزائر، رفضها القاطع للعبث بوحدة الأراضي الصومالية، معتبرة أن الاعتراف الإسرائيلي يمثل "خرقاً سافراً" للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

 

هذا الموقف الموحد تُرجم سريعاً إلى دعوة لاجتماع طارئ للجامعة العربية على مستوى المندوبين اليوم، لبحث سبل التصدي لهذا "العدوان الدبلوماسي".

 

المندوب الصومالي، علي عبدي أوراي، لم يخفِ قلقه من أن تكون الخطوة الإسرائيلية بداية لسلسلة اعترافات قد تفتت دولاً أخرى، داعياً العرب للوقوف صفاً واحداً دفاعاً عن مبدأ السيادة الوطنية، الذي بات مستباحاً في ظل التحركات الإسرائيلية الأحادية في العمق الأفريقي.

 

صفقة "الاعتراف مقابل التهجير": نفي رسمي وشكوك مستمرة

 

أخطر ما في المشهد هو ما تداولته تقارير عبرية عن وجود "بند سري" في الاتفاق يقضي باستقبال صوماليلاند لآلاف الفلسطينيين المهجرين من غزة مقابل الاعتراف والدعم المالي.

 

ورغم النفي القاطع لوزير خارجية الإقليم، عبد الرحمن داهر آدم، الذي أكد أن بلاده "لم ولن تناقش" هذا الملف، إلا أن الشكوك لا تزال قائمة، خاصة في ظل الزيارات السرية التي كشفت عنها "يديعوت أحرونوت" لرئيس الإقليم، عبد الرحمن محمد عبد الله، إلى تل أبيب ولقائه بنتنياهو ورئيس الموساد قبل أشهر.

 

مصر، التي تعتبر التهجير خطاً أحمر، ردت بحزم على لسان السفير محمد حجازي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، مؤكدة أنها "ستتصدى لأي مخطط يستهدف تصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير القسري"، سواء إلى سيناء أو إلى القرن الأفريقي.

 

هذا الربط بين الاعتراف والتهجير يضع المنطقة أمام سيناريو "تصدير الأزمات"، حيث تسعى إسرائيل لحل مشكلتها الأمنية في غزة على حساب استقرار دول هشة في أفريقيا.

 

حصار الحوثيين ومحاصرة مصر: الأبعاد الاستراتيجية

 

بعيداً عن السياسة، يحمل الاعتراف أبعاداً عسكرية وأمنية خطيرة.

 

فوجود "موطئ قدم" إسرائيلي رسمي في صوماليلاند، المطلة على خليج عدن ومضيق باب المندب، يعني عملياً إحكام الطوق على حركة الحوثيين في اليمن، وتأمين ممر ملاحي بديل أو مساند لإسرائيل بعيداً عن التهديدات الحالية.

 

كما يمثل هذا التواجد ضغطاً مباشراً على مصر، التي تخوض صراعاً دبلوماسياً مريراً مع إثيوبيا حول سد النهضة.

 

فإسرائيل، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع أديس أبابا، قد تستخدم ورقة صوماليلاند لتعزيز النفوذ الإثيوبي في البحر الأحمر (عبر اتفاق ميناء بربرة)، مما يهدد الأمن القومي المصري وحركة قناة السويس.

 

وقد سبق للقاهرة أن أرسلت رسائل ردع عملية، عبر إرسال طائرات عسكرية للصومال وتوقيع بروتوكول دفاعي، في تأكيد لرسالة الرئيس السيسي: "محدش يجرب مصر".

 

في المحصلة، يبدو أن القرن الأفريقي يتجه نحو "عسكرة" غير مسبوقة، حيث تتشابك المصالح الإسرائيلية مع الطموحات الإثيوبية والانقسامات الصومالية، وسط محاولات عربية لدرء خطر التقسيم والتهجير، في رقعة شطرنج جيوسياسية قد لا تحتمل خطأً واحداً.