كتبت هيئة تحرير الإندبندت في افتتاحية أن وقف إطلاق النار في غزة، رغم دخوله حيّز التنفيذ رسميًا، فشل في وضع حد حقيقي للقتل والمعاناة، وترك مئات الآلاف من الفلسطينيين عالقين بين هدنة هشة وواقع دموي مستمر.

 

بعد قرابة ثلاثة أشهر على سريان وقف إطلاق النار في غزة، تراجع حضور المأساة اليومية التي يعيشها سكان هذا الشريط الضيق عن شاشات العالم، وابتعدت معاناة الفلسطينيين تدريجيًا عن دائرة الاهتمام والتدقيق الدولي.


وفي الوقت الذي نقلت فيه شاشات التلفزة مؤخرًا مشاهد احتفالية من بيت لحم، حيث عادت الصلوات إلى كنيسة المهد وأُضيئت شجرة الميلاد في ساحة المهد بعد انقطاع عامين، بدا كأن صور الرعب التي سيطرت على الأخبار لفترة طويلة قد اختفت أو خف بريقها.

 

لكن غياب التغطية الإعلامية، أو الإزاحة الموسمية للأخبار السيئة، لا يعكس الحقيقة الكاملة. فالاتفاق على وقف إطلاق النار لم يوقف القتل ولا المعاناة، حتى وإن خفّف حدتهما جزئيًا. وما يزال مئات الآلاف من سكان غزة يدفعون ثمن هدنة لم تتحول إلى سلام فعلي.

 

هدنة على الورق.. ونار على الأرض

 

تشير وزارة الصحة الفلسطينية إلى أن أكثر من 400 فلسطيني لقوا حتفهم في غزة منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر، فيما أُصيب أكثر من ألف آخرين نتيجة القصف وإطلاق النار الإسرائيلي. وفي إحدى ليالي أواخر أكتوبر وحدها، سقط أكثر من 100 قتيل. ومن بين الضحايا طفلان استهدفتهما طائرة مسيّرة أثناء جمعهما الحطب لإحضاره إلى والدهما المعاق.

 

تقول إسرائيل إنها تواجه تهديدات مباشرة من جماعات تصفها بالإرهابية داخل غزة، وتتهم حركة حماس بمواصلة عملياتها، بما في ذلك زرع عبوات ناسفة أوقعت قتلى وجرحى في صفوف جنود إسرائيليين. كما تزعم أن بعض الضحايا الفلسطينيين سقطوا بعد تجاوزهم ما تسميه “الخط الأصفر”، الذي يفصل بين مناطق عسكرية محظورة ومناطق آمنة للسكان. لكن سكان غزة يؤكدون أن هذا الخط يتغير باستمرار، ما يجعل الالتزام به شبه مستحيل.

 

معاناة إنسانية بلا أفق

 

لا يقتصر التحدي على استمرار العنف. إذ يعيش أكثر من 90 في المئة من سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، في حالة نزوح. شجّع إعلان وقف إطلاق النار كثيرين على العودة إلى مناطقهم، لكنهم وجدوا منازلهم مدمرة، فاضطروا إلى الإقامة في خيام لا تقي من برد الشتاء ولا من أمطاره.

 

ورغم تراجع خطر المجاعة، تؤكد منظمات الإغاثة أن العقبات ما تزال تعرقل دخول المساعدات، وأن كميات الغذاء والدواء لا تفي بالحد الأدنى من الاحتياجات. وتبقى الحياة اليومية في غزة صراعًا مستمرًا من أجل البقاء، لا مجرد مرحلة انتقالية نحو التعافي.

 

سلام مؤجل وخطة متعثرة

 

تحتاج معظم اتفاقيات وقف إطلاق النار إلى وقت كي تترسخ، لكن الزخم الذي رافق الأسابيع الأولى من الهدنة، مع الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين وعودة الرهائن الإسرائيليين الأحياء، لم يستمر. بل شهدت مناطق أخرى، خاصة الضفة الغربية المحتلة، تدهورًا ملحوظًا، حيث تصاعدت اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 1967، بحسب منظمات حقوقية.

 

لا يعني ذلك أن وقف إطلاق النار لم يحقق أي فائدة، إذ انخفضت حدة العنف نسبيًا وتحسنت تدفقات المساعدات. لكن تجاهل عيوب الهدنة، سواء في بطء التقدم أو في الخروقات المستمرة، يقوّض أي أمل بالانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام ذات النقاط العشرين التي طرحها دونالد ترامب.

 

تشمل هذه المرحلة المقبلة ترتيبات لإدارة غزة مستقبلًا، ونشر قوة أمنية دولية، وانسحابًا إضافيًا للقوات الإسرائيلية، ونزع سلاح مقاتلي حماس. غير أن هذه الأهداف تبدو بعيدة المنال في ظل استمرار القتل وعدم تلبية أبسط احتياجات السكان.

 

يرى كاتب الافتتاحية أن الأولوية يجب أن تتركز على تكثيف الرقابة الدولية على وقف إطلاق النار وتسريع إدخال المساعدات، مع توفير مأوى شتوي لائق بدل الخيام. فبدون هذه الأساسيات، يستحيل تحقيق أي تقدم حقيقي، ناهيك عن الوصول إلى تقرير المصير الفلسطيني الذي يشكل جوهر أي حل شامل.

 

وصف ترامب خطته، كعادته، بأنها فجر عصر جديد للسلام في الشرق الأوسط. لكن الواقع يشير إلى أن الخطة، رغم صمودها حتى الآن، تقف على حافة الانهيار، وتحتاج إلى تدخل عاجل يعيدها إلى مسارها الأصلي قبل أن تبتلعها دوامة العنف من جديد.

https://www.aol.com/articles/shocking-brutality-behind-gaza-crumbling-191356148.html?guccounter=1&guce_referrer=aHR0cHM6Ly93d3cuZ29vZ2xlLmNvbS8&guce_referrer_sig=AQAAAFNHDt8scuLB7HVF0pxtEaxKlsLU1vd0l2AULEPQ8AvDvBlhLkRGKh9RzIqLxlpF7Xx8Uq3Xemky4FvViI6jPP4wh4LoRqmugbCFgLmpTdNpF3qlhktJxDIfdtx_5DQuXiz1xy_FP03PvN_uSGeSVk9lhDUt__AB_A05r7O29BQP