شهد قسم شرطة الهرم بمحافظة الجيزة واقعة جديدة أثارت موجة من الجدل والقلق الحقوقي، بعد وفاة الشاب طارق أشرف السيد محفوظ داخل محبسه، ليصبح ثاني محتجز يفقد حياته داخل القسم ذاته خلال أقل من أربعة أشهر، في واقعة دفعت النيابة العامة إلى التحرك العاجل وفتح تحقيق موسع لكشف ملابسات الوفاة.
تشريح وتحريات موسعة
وقررت النيابة العامة بالجيزة انتداب مصلحة الطب الشرعي لتشريح جثمان المتوفى، لبيان سبب الوفاة بدقة، وما إذا كانت ناتجة عن عنف أو إهمال أو أسباب مرضية، وذلك في ضوء البلاغات المقدمة من أسرته وما أثير من شبهات حول تعرضه للاعتداء.
كما كلفت النيابة المباحث الجنائية بإجراء تحريات موسعة حول الواقعة، واستدعت اثنين من المحتجزين الذين كانوا رفقة طارق في غرفة الحجز رقم 11 لسماع أقوالهم حول ما جرى داخل محبسه خلال أيام احتجازه الأخيرة.
تفاصيل الاحتجاز والوفاة
وبحسب بيان صادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن الشاب طارق أشرف كان محتجزًا بقسم شرطة الهرم منذ 3 ديسمبر الجاري على خلفية مشاجرة زوجية.
وأوضحت المبادرة أن والدة المتوفى تلقت اتصالًا يفيد بتدهور حالته الصحية، فتوجهت على الفور إلى القسم برفقة شقيقه، قبل أن يفاجآ بوفاته.
ونقلت المبادرة عن شقيق المتوفى أنه عند معاينته للجثمان لاحظ إصابات ظاهرية وكدمات تشير إلى تعرضه للضرب وربما التعذيب، ما دفع الأسرة إلى التوجه فورًا إلى نيابة الهرم وتقديم بلاغ رسمي يطالب بفتح تحقيق عاجل. وقد قُيِّد البلاغ برقم 20217 لسنة 2025 إداري قسم الهرم.
شهادات الأسرة وشبهة جنائية
وفي هذا السياق، قال رضا مرعي، المحامي بالمبادرة المصرية ووكيل أسرة المتوفى، إن والدة طارق وشقيقه أكدا خلال التحقيقات وجود شبهة جنائية وراء الوفاة، بعد مشاهدتهما آثار كدمات وزُرقان وإصابات غير طبيعية على الجثمان، مشددين على أن نجلهم "تعرض للضرب".
وأضاف مرعي أن الأسرة لا تعلم على وجه التحديد هوية المعتدين، وتترك الأمر لتحقيقات النيابة العامة، سواء كان الاعتداء قد وقع من محتجزين آخرين في نفس غرفة الحجز أو من أفراد تابعين للجهات الأمنية، مؤكدًا أن القضية ما زالت قيد التحقيق، وأن تقرير الطب الشرعي سيكون الفيصل في تحديد سبب الوفاة وطبيعة الإصابات.
واقعة ثانية خلال أشهر
وتأتي وفاة طارق أشرف بعد أقل من أربعة أشهر على وفاة الشاب وائل يوسف خيري (21 عامًا)، المعروف بـ"كيرلس"، داخل القسم ذاته في أغسطس الماضي.
وكانت آثار ضرب وتعذيب قد ظهرت على جثمان وائل، بينما قالت وزارة الداخلية حينها إن الوفاة جاءت نتيجة مشاجرة مع ثلاثة محتجزين آخرين، تسببت في إصابته بحالة إعياء نُقل على إثرها إلى المستشفى، قبل أن يتوفى لاحقًا.
هذا التكرار الزمني داخل نفس القسم أعاد إلى الواجهة تساؤلات جدية حول أوضاع الاحتجاز ومدى الالتزام بضمان سلامة المحتجزين.
مطالب حقوقية وضمانات التحقيق
وشددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن المسؤولية الكاملة عن سلامة المحتجزين تقع على عاتق وزارة الداخلية والجهات الشرطية منذ لحظة القبض عليهم وحتى الإفراج عنهم أو عرضهم على جهات التحقيق.
وطالبت المبادرة بعدة إجراءات عاجلة، أبرزها: سرعة الانتهاء من تقرير الصفة التشريحية وإرساله للنيابة، والتحفظ على كاميرات المراقبة داخل قسم شرطة الهرم وتفريغها، وضمان حماية الشهود من المحتجزين الذين كانوا برفقة المتوفى، وتقديم كل من يثبت تورطه في وفاة طارق أشرف إلى محاكمة جنائية عاجلة، منعًا للإفلات من العقاب.
سياق أوسع وانتقادات متصاعدة
وتأتي هذه الواقعة في ظل انتقادات متزايدة تواجهها الحكومة بشأن أوضاع المحتجزين، ووقائع الوفاة داخل أماكن الاحتجاز.
وكان المجلس القومي لحقوق الإنسان قد أشار في تقريره السنوي الثامن عشر، الصادر مؤخرًا، إلى ظاهرة وفاة المحتجزين داخل المقار الشرطية، مستشهدًا بحالة وفاة الشاب محمود ميكا داخل قسم شرطة الخليفة في مارس الماضي.
في المقابل، تؤكد الحكومة أن أوضاع السجون شهدت تحسنًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة. وقال وزير الخارجية بدر عبد العاطي، خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعي بمجلس الشيوخ، إن بعض نزلاء مراكز التأهيل "رفضوا مغادرتها بعد انتهاء مدة أحكامهم"، ما أثار سخرية واسعة على التواصل الإجتماعي من تصريحات عبدالعاطي.

