أعربت المفوضية المصرية عن بالغ قلقها وإدانتها الشديدة لما وصفته بـ«الانتهاكات الممنهجة والمتصاعدة» التي يتعرض لها عمال الشركة الشرقية للدخان (إيسترن كومباني)، في أعقاب استحواذ شركة «جلوبال للاستثمار» الإماراتية على 30% من أسهم الشركة، وما تبع ذلك من تغييرات جوهرية في سياسات الإدارة أثرت بشكل مباشر على أوضاع العمال وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

 

وأكدت المفوضية، في بيان موسّع، أن التطورات الأخيرة داخل الشركة لا يمكن فصلها عن سياق أوسع يشهد تراجعًا ملحوظًا في حماية حقوق العمال المساهمين، واعتداءً مباشرًا على حق الملكية الخاصة، وحرية التعبير، والتنظيم النقابي، في مخالفة صريحة لأحكام الدستور المصري، وقانون العمل، وقوانين سوق رأس المال، فضلًا عن الاتفاقيات الدولية التي صدّقت عليها الدولة المصرية.

 

ضغوط إدارية وتخارج قسري

 

بحسب ما رصدته المفوضية، شهدت الشركة خلال الفترة الماضية محاولات مكثفة لتفكيك ملكية العمال المساهمين، عبر ممارسة ضغوط إدارية متصاعدة، شملت التهديد بالفصل والخصم والنقل التعسفي، وفتح تحقيقات وصفتها المفوضية بـ«الكيدية»، بهدف إجبار العمال على التخارج القسري من أسهمهم، دون ضمانات حقيقية للحصول على قيمتها العادلة.

 

وتشير المفوضية إلى أن هذه السياسات تمثل مساسًا جوهريًا بحقوق العمال المساهمين، وتقويضًا لمبدأ الشراكة في الملكية، الذي طالما ميّز الشركة الشرقية للدخان باعتبارها واحدة من أبرز الشركات الوطنية الرابحة.

 

انتهاكات اقتصادية واجتماعية متراكمة

 

وسجل التقرير عددًا من الانتهاكات التي طالت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين، من بينها تأخير صرف الحوافز المستحقة، ووقف الترقيات وتسويات المؤهلات العلمية لسنوات طويلة، وعدم زيادة البدلات النقدية رغم الارتفاع الحاد في تكاليف المعيشة. كما رصدت المفوضية توسعًا ملحوظًا في توقيع الجزاءات الإدارية، وحرمان العمال من رصيد إجازاتهم السنوية، في مخالفة صريحة لقانون العمل.

 

وأكدت المفوضية أن هذه الممارسات ساهمت في تدهور الأوضاع المعيشية للعمال وأسرهم، وخلقت حالة من الاحتقان وعدم الاستقرار داخل الشركة.

 

تدهور الرعاية الصحية

 

ولم تقتصر الانتهاكات على الجوانب المالية والإدارية، إذ حذّرت المفوضية من التدهور الحاد في منظومة الرعاية الصحية للعاملين وأصحاب المعاشات، مع تقليص صرف العلاج، والتهديد بوقف الخدمة الطبية، وهو ما يمثل انتهاكًا واضحًا للحق في الصحة، خاصة بالنسبة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة.

 

إجراءات عقابية بسبب الاعتراض

 

وخلال شهر مايو الماضي، اتخذت إدارة الشركة إجراءات عقابية بحق عدد من العمال الذين أبدوا اعتراضهم على بيع الأسهم، شملت فصل 6 عمال، ووقف صرف الحوافز عن 19 عاملًا آخرين، بدعوى «تشويه سمعة الشركة».

 

واعتبرت المفوضية أن هذه الإجراءات تمثل عقابًا مباشرًا على ممارسة حق قانوني ودستوري في الاعتراض والتصويت، ولا يجوز بأي حال تجريمه أو استخدامه ذريعة للفصل أو الخصم.

 

مخالفات في الجمعيات العمومية

 

كما رصدت المفوضية ما وصفته بـ«مخالفات جسيمة» شابت انعقاد الجمعيات العمومية لاتحاد العاملين المساهمين، من بينها سوء التنظيم، وعدم الإفصاح عن هوية المستثمر عند طرح عرض الشراء، وتغيير آلية التصويت دون موافقة الجمعية، فضلًا عن منع الأعضاء من الاطلاع على التفاصيل المالية الكاملة للعرض، بما أخل بمبدأي الشفافية وتكافؤ الفرص.

 

دور نقابي مثير للجدل

 

وانتقدت المفوضية الدور الذي لعبته اللجنة النقابية بالشركة، مشيرة إلى تلقيها شهادات من عدد كبير من العمال تفيد بتخلي اللجنة عن دورها في الدفاع عن حقوقهم، واصطفافها مع إدارة الشركة في عدد من القرارات المثيرة للجدل. وأعرب العمال عن غضبهم من اكتفاء اللجنة ببيانات تبريرية، بل وتشجيعية، لعملية التخارج التي وصفوها بـ«غير العادلة»، دون اتخاذ خطوات فعلية لوقف الفصل التعسفي أو حماية حقوق العمال المساهمين.

 

مخالفات لقوانين سوق المال

 

وأكدت المفوضية أن هذه الممارسات تخالف بوضوح اللائحة التنفيذية لقانون سوق رأس المال، وقرارات الهيئة العامة للرقابة المالية، وعلى رأسها القرار رقم 301 لسنة 2025، الذي يستهدف حماية حقوق المساهمين وضمان التقييم العادل للأسهم ومنع الإضرار بصغار المساهمين.

 

النزاع أمام القضاء

 

وفي تطور لافت، انتقل النزاع إلى ساحات القضاء، حيث نظرت محكمة الأمور المستعجلة، خلال الشهر الماضي، دعوى أقامها نحو 200 عامل سابق بالشركة الشرقية للدخان، طالبوا فيها بوقف التصرف في أسهم اتحاد العاملين المساهمين، عقب الإعلان عن بيع كامل حصة الاتحاد.

 

وكانت شركة «إي إف جي هيرميس» قد أعلنت، في إفصاح رسمي للبورصة، أن شركة «فيديليتي للاستثمارات العالمية» في الإمارات هي المستثمر الذي استحوذ على كامل حصة اتحاد العاملين المساهمين، البالغة نحو 156.1 مليون سهم، تمثل 5.2% من أسهم الشركة، بقيمة تجاوزت 6 مليارات جنيه، وبمتوسط سعر 40 جنيهًا للسهم.

 

ويرى العمال المتخارجون أن عملية البيع تمت دون حصولهم على مستحقاتهم بالقيمة العادلة، ودون ضمان حقهم في نصيبهم من حصيلة البيع، ما دفعهم إلى اللجوء للقضاء طلبًا للإنصاف.

 

خصخصة مقنّعة وتهديد للاستقرار

 

وخلصت المفوضية المصرية إلى أن ما يجري داخل الشركة الشرقية للدخان يندرج ضمن ما وصفته بـ«نمط جديد من الخصخصة المقنّعة»، يتم من خلاله تفكيك منشآت وطنية ناجحة ومربحة، وإعادة توزيع ملكيتها لصالح مستثمرين جدد، مع إقصاء العمال المساهمين وتقليص دورهم، دون ضمانات حقيقية للعدالة أو الشفافية.

 

وحذّرت المفوضية من أن استمرار هذه السياسات يهدد الاستقرار الاجتماعي، ويقوض ثقة المواطنين في السياسات الاقتصادية، مؤكدة أن حماية حقوق عمال الشرقية للدخان تمثل واجبًا قانونيًا وأخلاقيًا، وضرورة للحفاظ على واحدة من أهم المنشآت الوطنية.