في إنجاز تاريخي يُعتبر الأول من نوعه عالمياً، نجحت المقاتلة المسيّرة التركية "بيرقدار قزل إلما" في اختبار جوي معقد تمكنت خلاله من رصد مقاتلة "إف-16" الأمريكية، والإطباق عليها رادارياً، ثم محاكاة إطلاق صاروخ جو-جو من صنع تركي أصابها بدقة شديدة. هذه التجربة، التي أجرتها شركة "بايكار" التركية هذا الأسبوع بمشاركة طائرتي "إف-16" تابعتين للقوات الجوية التركية، تُمثل نقطة تحول في عالم الطيران الحربي، وتُثبت أن المسيّرات لم تعد مجرد أدوات استطلاع أو هجوم أرضي، بل مقاتلات جوية قادرة على مواجهة الطائرات المأهولة والتفوق عليها في سيناريوهات قتالية حقيقية.
هذا الإنجاز أثار رعبا كبيراً في الصحافة الإسرائيلية واليونانية، وهما أكثر جارين لتركيا يواجهان تهديداً عسكرياً محتملاً منها، فيما يُعتبر خطوة استراتيجية تُعزز من القوة الجوية التركية وتضعها في مصاف الدول التي تمتلك تكنولوجيا عسكرية متقدمة ومستقلة.
التجربة التاريخية: ثلاث مراحل في رحلة واحدة
أجريت التجربة فوق منطقة تكيرداغ التركية، واستغرقت ساعة و45 دقيقة على ارتفاع متوسط 15 ألف قدم، ما رفع إجمالي ساعات اختبار "قزل إلما" إلى أكثر من 55 ساعة طيران. شاركت في الاختبار طائرتا "إف-16" تابعتان للقوات الجوية التركية، إحداهما حلّقت جنباً إلى جنب مع المسيّرة لاختبار التوافق التشغيلي بين الطائرات المأهولة وغير المأهولة، والأخرى كانت الهدف المراد إسقاطه.
- المرحلة الأولى: الرصد والإطباق الراداري
تمكنت "قزل إلما"، المجهزة برادار "مراد AESA" الوطني الذي تطوره شركة "أسيلسان" التركية، من رصد مقاتلة "إف-16" الهدف على مسافة 30 ميلاً بحرياً (حوالي 55 كيلومتراً). ثم نفذت عملية تركيز راداري (RADAR LOCK-ON) على الهدف، وهي خطوة حاسمة تسبق إطلاق الصاروخ في القتال الجوي الحقيقي. هذه القدرة على الرصد والإطباق على مسافات بعيدة تُعتبر ميزة استراتيجية تمنح المسيّرة تفوقاً في المعارك الجوية خارج مدى الرؤية (BVR).
- المرحلة الثانية: محاكاة الإطلاق والإصابة الدقيقة
بعد الإطباق على الهدف، نفذت "قزل إلما" محاكاة إطلاق لصاروخ "غوكدوغان" جو-جو التركي الصنع، المحمول تحت جناحها. النتيجة كانت "إصابة افتراضية ناجحة" للمقاتلة "إف-16"، وهو ما يُثبت أن المسيّرة قادرة على تحييد هدف عالٍ في المناورة مثل "إف-16" بدقة عالية. هذا الإنجاز يُمثل خطوة حاسمة نحو إكساب "قزل إلما" قدرات اشتباك جو-جو متقدمة، ويُؤكد أنها ليست مجرد مسيّرة، بل مقاتلة جوية كاملة.
- المرحلة الثالثة: الطيران المشترك والتوافق التشغيلي
في المرحلة الثالثة، حلّقت إحدى مقاتلات "إف-16" جنباً إلى جنب مع "قزل إلما" في تشكيل واحد، بهدف اختبار التوافق والقدرة على العمل المشترك بين الطائرات المأهولة وغير المأهولة (MANNED-UNMANNED TEAMING – MUM-T). هذا النوع من التعاون يُعتبر مستقبل الحرب الجوية، حيث تعمل المسيّرات جنباً إلى جنب مع المقاتلات المأهولة لتنفيذ مهام معقدة بكفاءة أعلى وخسائر أقل.
التكنولوجيا التركية: استقلالية كاملة في التصنيع
ما يجعل هذا الإنجاز أكثر أهمية هو أن كل مكونات المنظومة تركية الصنع بالكامل: المسيّرة "قزل إلما" من إنتاج "بايكار"، الرادار "مراد AESA" من تطوير "أسيلسان"، والصاروخ "غوكدوغان" أيضاً محلي الصنع. هذا يعني أن تركيا لا تعتمد على أي طرف خارجي في هذه المنظومة، وهو ما يُعزز من استقلاليتها الاستراتيجية ويُحررها من الضغوط السياسية التي قد تُمارس عليها من خلال حظر التسليح أو فرض قيود على نقل التكنولوجيا.
حدث مثير للغاية شهدت تركيا هذا الأسبوع، اختبار معركة جوية بين الطائرة المسيرة التركية "قزل إلما"، والطائرة إف 16 الأمريكية، المسيرة التركية صناعة تركية خالصة والصواريخ التي تحملها تركية الصنع ورادارها تركي الصنع، المسيرة نجحت في المناورة، وتمكنت من الاشتباك مع مقاتلة "إف 16"… pic.twitter.com/ED9P226qtc
— جمال سلطان (@GamalSultan1) November 22, 2025
رابط البيانات الحية: دقة وتنسيق في الوقت الفعلي
خلال الاختبار، تم التحقق من كفاءة رابط البيانات في الوقت الحقيقي بين المسيّرة والرادار والصاروخ. نقلت "قزل إلما" بيانات الهدف لحظة بلحظة، بما في ذلك الموقع والسرعة والاتجاه، ما أكد قدرتها على تنفيذ هجمات مستقلة بدقة عالية دون الحاجة إلى تدخل بشري مستمر. هذه القدرة على التنسيق الذاتي بين المكونات تُعتبر ميزة تكنولوجية تُميز "قزل إلما" عن كثير من المسيّرات الأخرى.
قزل إلما: مقاتلة ثورية بقدرات استثنائية
"بيرقدار قزل إلما" ليست مسيّرة عادية، بل مقاتلة ثورية بفضل تصميمها الفريد وقدراتها الاستثنائية:
- الإقلاع والهبوط من السفن: قادرة على الإقلاع والهبوط من السفن ذات المدرج القصير، مثل سفينة الإنزال الهجومية التركية "تي جي غي أناضولو" (TCG ANADOLU)، ما يُعطيها مرونة تشغيلية عالية.
- السرعة والمدى: تصل سرعتها إلى 0.9 ماخ (أقل بقليل من سرعة الصوت)، ومداها يتجاوز 930 كيلومتراً.
- الحمولة القتالية: قادرة على حمل مجموعة متنوعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ جو-جو وصواريخ جو-أرض وقنابل موجهة.
- التخفي: تصميمها يُراعي تقليل البصمة الرادارية، ما يُصعّب اكتشافها من قبل أنظمة الدفاع الجوي المعادية.
- الأول عالمياً: مسيّرة تنجح في اشتباك جو-جو
ما يجعل هذه التجربة تاريخية هو أنها المرة الأولى في العالم التي تتم فيها تجربة ناجحة لمسيّرة في اشتباك جو-جو ضد مقاتلة مأهولة. في السابق، استُخدمت المسيّرات بشكل أساسي لـالاستطلاع أو ضرب أهداف أرضية، لكن "قزل إلما" أثبتت أنها قادرة على مواجهة المقاتلات الجوية التقليدية، وهو ما يُغير قواعد اللعبة في عالم الحرب الجوية.
رعب إسرائيلي ويوناني: التهديد الاستراتيجي المتصاعد
التجربة الناجحة لـ"قزل إلما" أثارت رعبا كبيراً في الصحافة الإسرائيلية واليونانية، وهما أكثر جارين لتركيا يواجهان مجال تهديد عسكري معها:
- إسرائيل
تُدرك إسرائيل أن امتلاك تركيا لمسيّرات قادرة على اشتباك جو-جو يُشكل تهديداً استراتيجياً لتفوقها الجوي في المنطقة. فإذا كانت "قزل إلما" قادرة على إسقاط "إف-16"، فهذا يعني أنها قد تكون قادرة على مواجهة الطائرات الإسرائيلية في حال نشوب صراع بين البلدين، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة بشأن القضية الفلسطينية.
- اليونان
اليونان، التي لديها خلافات تاريخية مع تركيا حول بحر إيجه وقبرص، ترى في هذا الإنجاز التركي تهديداً مباشراً لأمنها القومي. امتلاك تركيا لمسيّرات متقدمة قادرة على القتال الجوي يُغير موازين القوى في المنطقة، ويُجبر اليونان على إعادة تقييم استراتيجيتها الدفاعية.

