كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن أزمة متصاعدة داخل إسرائيل، إذ يعاني نحو 2 مليون إسرائيلي، بينهم عدد كبير من الجنود، من اضطرابات وصدمات نفسية عميقة بسبب استمرار الحرب على غزة، في مؤشر صادم يكشف أن حرب الإبادة التي شنها الكيان الصهيوني على الشعب الفلسطيني لم تدمر غزة فقط، بل بدأت تدمر المجتمع الإسرائيلي نفسه من الداخل، وأن آثارها النفسية والاجتماعية ستمتد لأجيال قادمة.

 

2 مليون إسرائيلي يعانون من الصدمات النفسية

 

وفق الصحيفة، تتزايد معدلات الإدمان وتفكك الأسر وتدهور الصحة النفسية داخل المجتمع الإسرائيلي، وسط توقعات بأن يحتاج ملايين الأشخاص إلى دعم حكومي عاجل خلال الفترة المقبلة. هذا الرقم المهول—2 مليون شخص من إجمالي 9 ملايين نسمة—يعني أن أكثر من خُمس المجتمع الإسرائيلي يعاني من اضطرابات نفسية مرتبطة بالحرب.

 

الجنود الذين شاركوا في حرب الإبادة على غزة، وشهدوا الدمار الهائل والقتل الجماعي وتدمير المدن بالكامل، عادوا إلى منازلهم محملين بصدمات نفسية عميقة. الكثير منهم يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، والكوابيس المتكررة، والاكتئاب الحاد، والميول الانتحارية، وهو ما يفسر تزايد معدلات الإدمان وتفكك الأسر داخل المجتمع الإسرائيلي.

 

"الأسوأ لم يأتِ بعد".. تحذير مخيف

 

أشار ائتلاف منظمات الصحة النفسية في إسرائيل إلى أن "الأسوأ لم يأتِ بعد"، محذراً من موجة واسعة من الاضطرابات النفسية يُتوقع ظهورها بعد انتهاء العمليات العسكرية. هذا التحذير المخيف يعني أن ما نراه اليوم من صدمات نفسية هو مجرد البداية، وأن الموجة الحقيقية من الاضطرابات ستظهر بعد انتهاء الحرب، حين يبدأ الجنود والمواطنون في استيعاب ما شهدوه وما شاركوا فيه من جرائم.

 

الجنود الذين شاركوا في قتل الأطفال وتدمير المنازل وتهجير السكان وحصار المدنيين، سيدركون في مرحلة ما حجم الجرائم التي ارتكبوها، وهو ما سيؤدي إلى انهيارات نفسية على نطاق واسع. المجتمع الإسرائيلي الذي تابع يومياً صور الدمار والقتل في غزة، وعاش في حالة توتر دائم وخوف من الصواريخ وعمليات المقاومة، سيدفع ثمناً نفسياً باهظاً لهذه الحرب.

 

نقص حاد في المعالجين النفسيين

 

أكد خبراء ومصابون بصدمات الحرب وجود نقص حاد في أعداد المعالجين النفسيين، مشيرين إلى أن تبعات الحرب قد تمتد لتؤثر في الأجيال المقبلة التي تنشأ في هذا المناخ المضطرب. هذا يعني أن إسرائيل غير مستعدة للتعامل مع الكارثة النفسية التي تواجهها، وأن ملايين المصابين بالصدمات لن يجدوا العلاج المناسب، مما سيفاقم الأزمة ويحولها إلى أزمة اجتماعية شاملة.

 

الأطفال الإسرائيليون الذين نشأوا في ظل هذه الحرب، وشهدوا عنف آبائهم وتوتر أمهاتهم وانهيار أسرهم، سيحملون صدمات نفسية ستؤثر على حياتهم المستقبلية، وهو ما يعني أن آثار هذه الحرب ستمتد لعقود قادمة، وستحول المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع مريض نفسياً.

 

المقاومة الفلسطينية.. صمود أسطوري رغم الحصار

 

رغم الحصار الخانق ونفاد المياه والطعام وتفجير الأنفاق والقصف المستمر، لا يزال مقاتلو المقاومة الفلسطينية يقاومون ويرفضون الاستسلام. هذا الصمود الأسطوري، الذي استمر أكثر من عامين تحت الأرض، يمثل درساً تاريخياً في الإرادة الإنسانية التي لا تُكسر، وفي الإيمان بالقضية الذي يتجاوز كل الحسابات المادية.

 

المقاومون الذين يفضلون الموت تحت الأنقاض على الاستسلام للاحتلال، يكتبون ملحمة بطولية ستخلدها الأجيال القادمة، ويثبتون أن الإرادة الحرة أقوى من كل أسلحة الاحتلال وتكنولوجياته المتطورة. بينما 2 مليون إسرائيلي ينهارون نفسياً بسبب الحرب، يواصل المقاومون الفلسطينيون الصمود والمقاومة، في تناقض صارخ يكشف من يملك الحق ومن يدافع عن أرضه.

 

إسرائيل تدفع الثمن النفسي والاجتماعي

 

الأزمة النفسية التي تضرب المجتمع الإسرائيلي ليست مجرد أعراض جانبية للحرب، بل هي ثمن باهظ يدفعه مجتمع بُني على الاحتلال والقتل والنهب. المجتمع الذي يقوم على سرقة أرض الآخرين وقتل أطفالهم وتدمير منازلهم، لا يمكن أن يعيش في سلام نفسي، مهما امتلك من قوة عسكرية وتفوق تكنولوجي.

 

الجنود الإسرائيليون الذين شاركوا في حرب الإبادة سيحملون الذنب والصدمة طوال حياتهم، والأسر الإسرائيلية التي عاشت في خوف دائم من صواريخ المقاومة ستظل تعاني من القلق المزمن، والأطفال الذين نشأوا في هذا المناخ سيصبحون جيلاً مضطرباً نفسياً، غير قادر على بناء مجتمع طبيعي وسليم.

 

الدرس التاريخي.. لا سلام للمحتل

 

ما يحدث في إسرائيل اليوم يؤكد حقيقة تاريخية بسيطة: لا سلام للمحتل. المجتمع الذي يُبنى على الظلم والقتل والنهب لا يمكن أن يعيش في أمان أو استقرار نفسي واجتماعي. الحرب على غزة، التي ظنت إسرائيل أنها ستحقق لها الأمن والردع، أصبحت كابوساً يطارد 2 مليون إسرائيلي في نومهم ويقظتهم.