في مشهد يكشف حقيقة العلاقة بين واشنطن والرياض، ومن يملك القرار الفعلي في الملفات الإقليمية الكبرى، أحرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولي العهد السعودي محمد ابن سلمان خلال مؤتمرهما الصحفي المشترك في البيت الأبيض أمس.
عندما سألت صحفية ابن سلمان عن المبلغ الذي ستدفعه السعودية لإعادة إعمار غزة، حاول الأمير التهرب بالقول إن "الأمر لا يزال قيد النقاش ولم نحدد أي مبلغ بعد".
لكن ترامب قاطعه فورًا بنبرة حاسمة وقال: "سيدفع الكثير"، تاركًا ابن سلمان في موقف محرج لا يملك إلا أن يبتسم ابتسامة باهتة لا تخفي ارتباكه.
هذا المشهد يلخص واقع العلاقة: ترامب يصدر الأوامر، وابن سلمان ينفذ ويدفع الفاتورة، سواء كانت صفقات أسلحة بمئات المليارات أو إعمار غزة التي دمّرتها إسرائيل بدعم أمريكي.
مقاطعة فورية.. ترامب يملي وابن سلمان يمتثل
المشهد الذي انتشر على نطاق واسع عبر وسائل التواصل يكشف بوضوح من يملك القرار الحقيقي. الصحفية سألت ابن سلمان مباشرة: "كم ستدفع السعودية لإعادة إعمار غزة؟". ابن سلمان رد بهدوء محاولًا التملص: "نحن لا نزال في مفاوضات عن الموضوع... يجري نقاش حول احتمال مساهمة سعودية". لكن ترامب لم يمهله ثانية واحدة ليكمل تهربه، وقاطعه فورًا بنبرة قاطعة قائلًا: "سيدفع الكثير... سيكون مبلغًا ضخمًا... لأن غزة مهمة". ابن سلمان لم يملك إلا أن يبتسم ابتسامة باهتة لا تخفي ارتباكه وحرجه أمام الكاميرات، في مشهد يؤكد أن ولي العهد السعودي لا يملك قرار بلاده، وأن واشنطن هي من تملي عليه ما يجب فعله وما يجب دفعه.
ترامب يتطوع للإجابة.. صاحب القرار الحقيقي
اللافت في المؤتمر الصحفي أن ترامب "كان يتطوع للإجابة عن معظم الأسئلة التي يطرحها الصحفيون"، سواء كانت موجهة له أو لابن سلمان. هذا السلوك يكشف أحد احتمالين: إما أن ترامب هو "صاحب القرار الحقيقي" ويعرف تفاصيل كل شيء أكثر من ابن سلمان نفسه، وإما أنه يريد "صد أي نيران موجهة لضيفه المكتنز بالمال"، حمايةً للرجل الذي يدفع مئات المليارات للخزانة الأمريكية. المحللون يرون أن ترامب كان يتصرف وكأن ابن سلمان "موظف لديه" يجب أن يوجهه ويملي عليه الإجابات الصحيحة. هذا المشهد المذل يعكس حقيقة العلاقة السعودية–الأمريكية: السعودية تدفع، وأمريكا تأمر وتقرر.
إعمار غزة.. فاتورة جديدة على حساب السعودية
ملف إعادة إعمار غزة المدمرة بفعل العدوان الإسرائيلي الذي استمر أكثر من عام أصبح ورقة ضغط جديدة تستخدمها واشنطن لابتزاز الرياض. نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أعلن سابقًا أن "معظم أموال إعادة إعمار غزة ستأتي من الدول العربية"، مؤكدًا أن "هناك دولًا ثرية جدًا ستنخرط في إعادة الإعمار".
ترامب نفسه قال إن "تكلفة إعادة الإعمار ليست كبيرة بالنسبة لهذه الدول لأن لديهم الكثير من الأموال". المفارقة أن واشنطن تطالب الدول العربية بدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل بدعم أمريكي لا محدود. التقارير تؤكد أن "خطة ترامب هدفها دفع السعودية للتطبيع ودفع فاتورة إعمار غزة"، في صفقة مشروطة: تطبيع كامل مع إسرائيل مقابل صفقات أسلحة ووعود أمنية، وفاتورة إعمار غزة كـ"مكافأة" للتطبيع.
تهرب سعودي.. لسنا جمعية خيرية
رغم ضغوط ترامب العلنية، يبدو أن ابن سلمان غير متحمس للانخراط في إعادة إعمار غزة. محللون يرون أن تردده نابع من عدة اعتبارات:
أولًا، عدم رغبته في دفع فاتورة دمار إسرائيلي بينما لم يتحقق حل سياسي حقيقي للقضية الفلسطينية.
ثانيًا، خشيته من ردود فعل شعبية عربية وإسلامية رافضة لأي تطبيع قبل إنهاء الاحتلال.
لكن ضغوط ترامب العلنية تضع ابن سلمان في موقف لا يحسد عليه: إما أن يدفع ويطبع، أو يخسر الصفقات العسكرية والحماية الأمريكية التي يعتمد عليها نظامه.
التطبيع مقابل إعمار غزة.. صفقة القرن الجديدة
ترامب ربط بشكل واضح بين ملفات: صفقات الأسلحة (F-35 و300 دبابة)، التطبيع مع إسرائيل عبر الاتفاقيات الإبراهيمية، والمساهمة في إعادة إعمار غزة.
هذه "الحزمة" تمثل خطة ترامب لإعادة رسم الشرق الأوسط: تسليح السعودية لمواجهة إيران، تطبيع كامل مع إسرائيل، وتحميل الرياض فاتورة إعمار غزة.
ابن سلمان قال إن السعودية "ترغب في الانضمام للاتفاقيات الإبراهيمية لكن بشرط مسار واضح نحو حل الدولتين".
لكن ترامب "يشكك في جدية ابن سلمان بشأن ربط التطبيع بحل الدولتين"، معتبرًا أن الأمير سيتنازل في النهاية تحت الضغط.
الإذلال المستمر للرياض
مشهد ترامب وهو يقاطع ابن سلمان ويملي عليه ما يجب قوله يلخص واقع العلاقة المذلة بين واشنطن والرياض. السعودية تدفع تريليونات الدولارات، وتشتري صفقات أسلحة بمئات المليارات، وتستعد للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والآن تُطالَب بدفع فاتورة إعمار ما دمرته إسرائيل في غزة.
ابن سلمان يحاول التهرب والمناورة، لكن ترامب لا يمنحه حتى مساحة للتنفس، ويفرض عليه الالتزامات علنًا أمام الكاميرات. هذا الإذلال المتواصل يطرح السؤال: إلى متى ستظل الرياض تدفع وتمتثل؟ وهل سيأتي يوم يمتلك فيه ولي العهد السعودي الجرأة ليقول "لا" لواشنطن، أم أن الخضوع والإذعان أصبحا سياسة ثابتة لا تتغير؟

