في مشهد يعيد ذاكرة التهجير القسري وبيع الأرض لمن يدفع، اندلعت اشتباكات عنيفة بين أهالي منطقة الروم بمحافظة مطروح وقوات الأمن، عقب محاولة السلطات تنفيذ عمليات إزالة لمنازل قائمة، تمهيدًا لتنفيذ مشروع سياحي ضخم لصالح شركة "الديار" القطرية.

 

المشهد ليس مفاجئًا في ظل مسار متواصل من تفريط الحكومة في السيادة والمجتمعات المحلية، مقابل صفقات مليارية، لا تعود على الفقراء بشيء سوى الإخلاء والإهانة والتهميش.

 

قمع ممنهج تحت ستار التطوير

 

تحركت قوات الأمن إلى المنطقة مصحوبة بلواء شرطة، بهدف تنفيذ الإزالة بالقوة، رغم أن المنزل محل النزاع كان قائمًا منذ فترة، وكل ما فعله صاحبه هو صب الخرسانة استعدادًا لزواج ابنه بعد موسم محصول الزيتون.

الرد الرسمي؟ إزالة فورية، اعتداء على الأهالي، منع التصوير، ومصادرة الهواتف.

 

الإهانة لم تتوقف عند تدمير البيت، بل شملت اعتداءً أدى إلى إصابة مواطن نُقل إلى المستشفى، بينما أُجبر الأهالي على مسح أي توثيق لما حدث، في مشهد يعكس مدى خوف الدولة من الحقيقة، وسلوكها البوليسي في قمع أبسط أشكال التعبير.

 

الديار القطرية تدخل... والأهالي يُطردون

 

ما وراء كل هذا العنف؟ صفقة استثمارية أبرمتها الحكومة المصرية مؤخرًا مع شركة "الديار" القطرية، لتطوير منطقة علم الروم في مطروح باستثمارات تبلغ 29.7 مليار دولار.

 

من هذا المبلغ، تدفع "الديار" 3.5 مليار دولار فقط لشراء الأرض – أرض يسكنها مصريون منذ عقود – ثم تستثمر بقية المبلغ في مشاريع سياحية مخصصة للأثرياء، دون أن يكون لسكان المنطقة أي نصيب حقيقي فيها.

 

الحكومة بهذا السلوك لا تطور، بل تطهر جغرافيًا لصالح طبقة فوقية من المستثمرين، وتدفع الثمن من حياة الناس وأمنهم الاجتماعي.

 

تعويضات هزيلة... وإخفاء قسري للمشكلة

 

في محاولة بائسة للتغطية على فداحة ما يجري، بدأت الحكومة التفاوض مع السكان لتقديم "تعويضات" عن الإخلاء. لكن الأهالي يؤكدون أن هذه التعويضات لا توازي قيمة الأرض ولا قيمة الاضطرار لترك منازلهم.

 

المنزل الذي أُزيل لم يكن عشوائيًا أو غير قانوني. كان مأهولًا، بُني بالطوب منذ سنوات. ما جرى هو ببساطة تدمير متعمد للواقع حتى لا ترتفع قيمة التعويضات.

 

الرسالة واضحة: "ارحل بصمت، ولا تتوقع إنصافًا... الأرض لم تعد لك، بل للمستثمرين".

 

من التنمية إلى التهجير: من المستفيد الحقيقي؟

 

تسوق الحكومة المشروع على أنه إنجاز تنموي، لكن الحقيقة أن التنمية أصبحت تعني طرد الفقراء لبناء فنادق ومنتجعات للأجانب والأثرياء.

 

أين هي التنمية حين يُعتدى على رجل بسيط لأنه أراد أن يزوّج ابنه في بيت بناه من تعب موسمه الزراعي؟

 

من المستفيد حين يُفرض حظر بناء على قرية بأكملها كي لا يضطر المستثمر إلى دفع تعويضات أكثر؟

 

الحكومة لم تعد تمثل المواطن، بل تعمل كوكيل عقاري يسوّق الأراضي لصالح المستثمر الخليجي، ويستخدم الشرطة كأداة تنفيذ قسري.

 

علم الروم: الأرض تُباع، والناس تُطرد

 

علم الروم، التي يُفترض أن تكون رمزًا للمجتمعات الساحلية المتجذرة، أصبحت الآن رمزًا للصفقات المشبوهة.

 

الأرض التي يسكنها البسطاء منذ عقود تُسلم لشركات أجنبية، دون شفافية، دون ضمانات، دون مشاركة أهلها في أي جزء من المشروع، لا كمساهمين ولا كعمال حتى.

 

الحكومة لا تبني اقتصادًا، بل تبيع وطنًا قطعة قطعة، وتعيد إنتاج منطق الاستعمار الاقتصادي بثوب جديد، مستعملة أدوات الدولة في قمع أبناء الدولة.

 

الاستثمار لا يبرر الإذلال

 

حين يصبح الاستثمار مبررًا لإراقة الكرامة، وتمزيق المجتمعات، وفرض الصمت بالقوة، فليعلم النظام أن التنمية التي تقوم على أنقاض الناس ليست سوى قنبلة موقوتة.

 

الاشتباكات في علم الروم رسالة يجب ألا تُتجاهل: الناس ليسوا هامشًا، والأرض ليست سلعة.

 

وإذا استمرت الدولة في هذا النهج، فلن يكون مفاجئًا أن تتحول كل قرية مهمشة إلى ساحة مقاومة ضد هذا الشكل الجديد من الاحتلال الناعم.