سلطت مجلة "مومنت"، المختصة بنشر تنشر مقالات عن الثقافة والسياسة والدين اليهودي، الضوء على أوضاع اليهود في مصر بعد عقود من مغادرة الغالبية العظمى منهم إلى خارج البلاد، في أعقاب الإطاحة بالنظام الملكي في يوليو 1952.

 

وقالت إنه عندما توفيت كارمن وينشتاين، زعيمة الجالية اليهودية في عام 2013، كانت ابنتها ماجدة هارون قد برزت، حيث كانت تعمل مهندسة مدنية، ولم تكن حاخامة ولا باحثة. لكنها قالت عن نفسها: "أنا أجيد حل المشاكل". وأضافت أنها انجذبت إلى القيادة "لأنني كنت آخر من بقي ليتحمل المسؤولية".

 

كان والدها، شحاتة هارون، المحامي الماركسي والوطني الصريح، قد رفض مغادرة مصر كما فعل الكثير من اليهود في السنوات التي تلت تأسيس "إسرائيل". تقول: "أحب والدي هذا البلد حبًا جمًا. ورثته عن أبي"، مضيفةً: "أنا مصرية قبل كل شيء".

 

كان شحاتة هارون رائدًا في مجال قانون الملكية الفكرية في مصر، حيث افتتح مكتبًا عام 1939 بعد صدور أول تشريع للعلامات التجارية في البلاد. 

 

لكن عندما مرضت شقيقة ماجدة واحتاجت إلى العلاج في الخارج، رفضت السلطات منح شحاتة تصريح سفر ذهابًا وإيابًا. وتوفيت، ودفنت في البساتين. تقول ماجدة عن والدها: "كان لا يزال يحب مصر حبًا عميقًا".

 

ماجدة التي تعد اليوم آخر يهودية مصرية في القاهرة، تحمل الجنسية المصرية من أصول يهودية. تقول: "لا أُعيد بناء مجتمع، بل أُحافظ على ما تبقى منه".
 

80 ألف يهودي في مصر

 

وكان عدد اليهود في مصر بحلول عام 1948، بلغ نحو 65 ألف يهودي في القاهرة و15 ألفًا آخرين في الإسكندرية. وكان من بينهم عائلات سفاردية وشرقية ذات جذور عثمانية، ويهود قرائيون ذوو عادات مميزة، وأشكناز فارّون من المذابح في أوروبا.

 

كان لهذه المجتمعات اليهودية المختلفة مؤسسات مختلفة. رفض القرائيون السلطة الحاخامية، فبنوا معابدهم الخاصة وقسمًا منفصلًا في مقابر البساتين يضم أضرحة لعائلات النخبة.


أما الأشكناز، المتمركزون في وسط المدينة، فقد أسسوا معبد شارع عدلي وقاعات صلاة أصغر.أما الأغلبية الأكبر من السفارديم والمزراحيين، فقد موّلت مشاريع ضخمة مثل معبد إلياهو هانبي في الإسكندرية، ومعابد يهودية متواضعة في أحياء القاهرة الشعبية.

 

وقال البروفيسور يورام ميتال من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون في النقب، مؤلف كتاب: "الأماكن المقدسة تحكي حكايات: الحياة والتراث اليهودي في القاهرة الحديثة": "لم تكن المواقع اليهودية قطّ معاقل أجنبية، بل كانت جزءًا لا يتجزأ من المشهد الحضري المصري".
 

النخبة اليهودية في مصر

 

تجسد نفوذ النخبة اليهودية في مصر في عائلات مثل عائلة قطاوي في القاهرة. شغل كل من يوسف أصلان قطاوي باشا وقريبه موسى قطاوي باشا منصبي الوزيرين في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، الذي حكم مصر والسودان من عام 1892 إلى عام 1914 تحت السيادة العثمانية.

 

وعلى الرغم من سعي عباس حلمي الثاني لتأكيد استقلال مصر، إلا أن السلطة الحقيقية انتقلت إلى أيدي البريطانيين بعد عام 1882. وانتهى حكمه خلال الحرب العالمية الأولى، عندما عزلته بريطانيا وأعلنت مصر محمية.

 

كان لآل قطاوي دور فعال في مساعدة طلعت حرب في تأسيس بنك مصر عام 1920، كأول بنك وطني وحجر الزاوية في الاقتصاد القومي للبلاد في ظل الاحتلال البريطاني.


بعد عقد من الزمان، انضموا إلى ائتلاف من المستثمرين لتمويل بناء فندق الملك داوود في القدس، الذي افتُتح عام 1931، وأصبح رمزًا للفخامة والأهمية السياسية في فلسطين تحت الانتداب البريطاني. ولا يزال شارع في وسط القاهرة، بالقرب من سوق الأوراق المالية، يحمل اسم موسى قطاوي، كما أن عمارة الإيموبيليا من إرث عائلة قطاوي.

 

ويشير التقرير إلى إسهامات الفنانين اليهود أيضًا في رسم ملامح العصر الذهبي الثقافي لمصر. أقامت ليلى مراد، إحدى أشهر نجمات السينما والموسيقى في ذلك العصر، لفترة في عمارة الإيموبيليا.
وعلى الرغم من اعتناقها الإسلام لاحقًا، ظلت مراد رمزًا للقاهرة متعددة الثقافات.

 

أما توجو مزراحي، المخرج غزير الإنتاج، فقد أنتج أعمالًا كوميدية وغنائية صوّر فيها اليهود والمسلمين كجيران ومواطنين. 


فيما برز هنري كورييل كمفكر سياسي راديكالي، مؤسسًا الحركة المصرية للتحرر الوطني، ولعب لاحقًا دورًا هادئًا ولكنه محوري في جهود السلام الإسرائيلية الفلسطينية المبكرة قبل اغتياله في باريس عام 1978.
 

هجرة اليهود من مصر

 

وأبرز التقرير الأسباب وراء هجرة اليهود من مصر على دفعات، مدفوعةً بالاضطرابات الإقليمية وانعدام الثقة المتبادل. أودى العنف عام 1948 بحياة أكثر من 200٠ يهودي، ودفع 20 ألفًا إلى الفرار.

 

وألقت قضية لافون عام 1954- حيث جنّد عملاء إسرائيليون يهودًا مصريين للقيام بأعمال تخريب - بظلال من الشك على المجتمع بأكمله. وجاءت القطيعة الحاسمة عام 1956 عندما طرد الرئيس جمال عبد الناصر نحو 25 ألف يهودي بعد حرب السويس، وصادر منازلهم ومحلاتهم التجارية.

 

وفي عام 1967، اعتُقل مئات الرجال اليهود بعد حرب الأيام الستة. ليتضاءل المجتمع اليهودي من 80 ألف نسمة إلى حفنة قليلة بحلول سبعينيات القرن الماضي- وهي خسارةٌ شكّلتها الحرب والتهجير وفشل القومية المصرية في الحفاظ على مساحة لمواطنيها اليهود، كما يقول التقرير.

 

ورصد التقرير أنه بحلول عام 2019 لم يتبقَّ في مصر سوى أقل من 20 يهوديًا، معظمهم من النساء المسنات. وبحلول عام 2025، يُعتقد أن عدد اليهود المُعلنين عن ديانتهم في البلاد أقل من (5).

 

ولا تزال بطاقة هوية ماجدة هارون تُحدِّد ديانتها باليهودية، مما يجعلها الشخص الوحيد في مصر الذي تحمل وثائقه الحكومية هويتها الدينية.

 

أما باقي اليهود، فهم إما من أبوين مختلطين، أو يحملون جنسية أجنبية، أو اعتنقوا الإسلام أو المسيحية.

 

http://momentmag.com/egypts-last-jewish-chapter/?srsltid=AfmBOopLPttmJa2z_NB6GYByreMfEFB1t-PDeQeWH4GyFLQtLLG5o4jO