شهدت انتخابات مجلس النواب في مرحلتها الأولى حالة من الفتور اللافت في إقبال الناخبين المصريين بالخارج، ما دفع الهيئة الوطنية للانتخابات إلى الامتناع عن نشر صور المقار الانتخابية في السفارات والقنصليات، خلافاً لما جرت عليه العادة في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.
ويُنظر إلى هذا القرار على أنه محاولة لتجنّب تكرار الانتقادات التي طالت الهيئة والحكومة عقب تداول صور سابقة أظهرت عزوف المصريين المقيمين بالخارج عن المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة.
وأجريت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب على مدار يومين في مقار البعثات الدبلوماسية المصرية بالخارج، تمهيداً لانطلاق التصويت في الداخل اليوم الاثنين وغداً الثلاثاء في 14 محافظة من أصل 27، أبرزها الجيزة، والإسكندرية، وأسوان، وسوهاج، والمنيا، والبحر الأحمر، والفيوم، والبحيرة، والوادي الجديد، ومطروح، والأقصر، وقنا، وأسيوط، وبني سويف.
ورغم الحملة الإعلامية التي أطلقتها السفارات المصرية لتشجيع الناخبين على التصويت، لوحظ غياب شبه تام للصور التي توثق مشاركة المصريين في الخارج.
واكتفت بعض السفارات، مثل السفارة المصرية في موسكو، بنشر صور محدودة أبرزها صورة السفير حمدي شعبان أثناء الإدلاء بصوته أمام صندوق اقتراع بدا خالياً من الأصوات.
كما أحجمت صفحات السفارات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي عن مشاركة مشاهد اللجان الانتخابية، في خطوة فسّرها مراقبون بأنها تهدف إلى "إدارة الصورة العامة" بعد الانتقادات الواسعة التي رافقت انتخابات مجلس الشيوخ الماضية، حين أظهرت الصور المنشورة خلوّ اللجان من الناخبين.
ومع ذلك، شهدت بعض الدول التي تضم أكبر جاليات مصرية، مثل السعودية والكويت والأردن وإيطاليا، مشاركة نسبية من الناخبين، بخاصة في اللجان التي تضم أبناء محافظات الصعيد.
ويرجع ذلك، وفق مراقبين، إلى العصبيات العائلية والروابط القبلية التي دفعت كثيرين إلى المشاركة دعمًا لمرشحين من عائلاتهم أو دوائرهم الأصلية. ففي الكويت، على سبيل المثال، تداولت صفحات مؤيدة للمرشحين صوراً لصفوف من أبناء الصعيد أمام مقر السفارة المصرية في العاصمة وهم ينتظرون الإدلاء بأصواتهم، خصوصاً من أبناء محافظة سوهاج.
ويبلغ عدد اللجان الانتخابية بالخارج 136 لجنة في 117 دولة، واختتمت عملية التصويت عند التاسعة مساء السبت وفق توقيت كل دولة. وكشف مصدر حكومي أن تكلفة إجراء انتخابات مجلس النواب تصل إلى نحو ستة مليارات جنيه مصري، نتيجة تنظيم التصويت على مرحلتين داخل مصر وخارجها على مدى ثمانية أيام.
وأوضح المصدر أن ارتفاع التكلفة يعود إلى مشاركة أعداد كبيرة من القضاة والدبلوماسيين وموظفي الدولة المشرفين على العملية الانتخابية، إضافة إلى عناصر الجيش والشرطة المكلّفين بتأمين اللجان.
كما ارتفعت بدلات المشرفين على الانتخابات بنسبة 30% عن آخر استحقاق انتخابي عام 2023، تماشياً مع التضخم وتراجع قيمة الجنيه. وأشار المصدر إلى أن دمج انتخابات مجلسي النواب والشيوخ كان سيحقق وفراً كبيراً في النفقات، خصوصاً أن النظام الانتخابي لكليهما متطابق تقريباً بواقع 50% للمقاعد الفردية و50% للقوائم المغلقة المطلقة.
وكانت الانتخابات السابقة لمجلس الشيوخ قد شهدت شكاوى واسعة من عمليات شراء أصوات، وثّقتها منظمات حقوقية ومراقبون مستقلون عبر مقاطع فيديو أظهرت توزيع مبالغ مالية تتراوح بين 300 و500 جنيه للناخب الواحد، مقابل التصويت لصالح مرشحي "القائمة الوطنية".
يُذكر أن نسب المشاركة في الانتخابات واصلت تراجعها خلال العقد الأخير، إذ بلغت 26.5% في المرحلة الأولى من انتخابات 2015، و29.8% في المرحلة الثانية، ثم 29.5% في انتخابات مجلس النواب لعام 2020، لتتراجع في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة إلى نحو 17% فقط، ما يعكس فتوراً متزايداً في الحماس الشعبي تجاه العملية الانتخابية في ظل غياب المنافسة الحقيقية وتكرار فوز القوائم الموالية للسلطة.

