وصفت الأمم المتحدة ما يجري في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، بأنه موجة من «الفظائع التي لا يمكن تصورها»، مع سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين وتفاقم المجاعة والحصار، وتواتر شهادات عن إعدامات ميدانية وعنف واسع النطاق عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
جاءت هذه التحذيرات في إحاطات رسمية وتصريحات متلاحقة لمكتب حقوق الإنسان والشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسط دعوات لفتح ممرات إنسانية وحماية المدنيين وإجراء تحقيقات مستقلة وعاجلة.
 

مدينة منكوبة ومحاصرة
أكد منسق الإغاثة في الأمم المتحدة أمام مجلس الأمن أواخر أكتوبر أن الهجمات على الفاشر تعيد إلى الأذهان «أهوال دارفور» القديمة، محذرًا من نفاد الخيارات أمام السكان المحاصرين ومطالبًا بوقف القتال فورًا والسماح بوصول المساعدات بلا عوائق.
ووصف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية معاناة الناس في الفاشر بأنها غير محتملة، وأنهم «محاصرون وخائفون» ويواجهون تهديدًا مباشرًا لحياتهم وسط انهيار الخدمات الأساسية.
 

شهادات ميدانية وصور مروعة
تتقاطع تقارير أممية وشهادات من عمال إغاثة مع ما وثقته صحافة دولية ومنظمات حقوقية عن مجازر وإعدامات ميدانية واعتداءات على منشآت طبية وسكان، بما في ذلك تقارير عن استهداف مستشفى وعمليات قتل جماعي واعتداءات جنسية.

وتحدث عاملون إنسانيون عن آلاف الفارين المفقودين بعد سقوط المدينة، في ظل طرق هروب قاتلة عبر الصحراء وخوف من الاعتراض والابتزاز. هذه الشهادات تعكس حجم الانتهاكات واتساع رقعتها بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر.
 

مخاوف من طابع عِرقي وجرائم جسيمة
أعرب مكتب حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أواخر أكتوبر عن تلقيه تقارير «مروعة» بشأن إعدامات موجزة وانتهاكات جسيمة منسوبة إلى قوات الدعم السريع في دارفور، بينما حذّرت تقارير أخرى خلال أكتوبر من احتمالية ارتكاب «فظائع مدفوعة بدوافع عِرقية» في الفاشر، على وقع هجمات دامية خلّفت عشرات القتلى خلال أيام قليلة.
هذه المزاعم، إذا تأكدت، قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتستلزم مسارات مساءلة واضحة.
 

نزوح هائل وانقطاع الممرات
تقدّر وكالات أممية ومنظمات دولية موجات نزوح ضخمة أعقبت اجتياح المدينة، حيث فرّ عشرات الآلاف سيرًا على الأقدام نحو مناطق طويلة ومليط وكبكابية، فيما بقي مئات الآلاف عالقين داخل الفاشر مع نقص الغذاء والدواء والمياه.
وقد شدد بيان لمجلس الأمن في 30 أكتوبر على ضرورة السماح بوصول المساعدات وتوفير ممرات آمنة للمدنيين، ورفض إنشاء هياكل حكم موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.
 

جلسة طارئة ومطالبة بالتحقيق
في ظل تفاقم المأساة، اتجه مجلس حقوق الإنسان لعقد جلسة طارئة بشأن الفاشر على خلفية مخاوف جدية من وقوع عمليات قتل جماعي أثناء وبعد سيطرة الدعم السريع، فيما دعت الأمم المتحدة إلى تحقيق مستقل وسريع ومحاسبة الجناة.
ويواكب ذلك ضغط دولي متنامٍ لوقف النار واستئناف مسار سياسي يضمن حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية.
 

أولوية عاجلة: حماية المدنيين
ترى الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون أن الأولوية القصوى تتمثل في وقف الأعمال العدائية في محيط الفاشر وداخلها، وتأمين وصول فوري وآمن للمساعدات، وإجلاء الجرحى، واستعادة خدمات الصحة والمياه والكهرباء.
كما تشدد الإحاطات الأممية على أن الإفلات من العقاب يغذي دائرة العنف، وأن التحقيقات المستقلة وجمع الأدلة وحماية الشهود خطوات لا غنى عنها للعدالة ومنع تكرار الفظائع.

الخلاصة: الفاشر اليوم مدينة يلفّها الحزن، يواجه أهلها مزيجًا قاتلًا من العنف وانهيار الخدمات والمجاعة والحصار.
وبينما تسابق منظمات الإغاثة الزمن لتأمين الحد الأدنى من المساعدة، يبقى الحل الحقيقي رهينًا بوقف القتال، وفتح الممرات الإنسانية، وإطلاق مسار مساءلة جدّي يضع معاناة المدنيين في مركز أي تسوية سياسية قادمة.
هذا ما تؤكد عليه الأمم المتحدة في بياناتها وتحذيراتها الأخيرة، وهو ما يتطلب إرادة دولية وإقليمية لا تكتفي ببيانات الإدانة، بل تتحرك لإنقاذ الأرواح على الأرض.