استخدم كامل الوزير عبارة أن “مصر الأولى عالميًا في إنتاج التمور” كدعاية سياسية تربط بين مهرجانات وصور إنجاز وبين واقع سوق يئن من الغلاء، بينما تُظهر البيانات أن تصدّر مصر إنتاجًا لا يعني توافرًا رخيصًا أو تفوقًا تجاريًا أو جودة متجانسة للمستهلك المحلي، بل تعاني السلسلة من فاقد مرتفع ومشكلات تعبئة ولوجستيات وتفاوت أصناف يدفع المصريين أحيانًا لاستهلاك تمور مستوردة بأسعار أعلى رغم ضخامة الإنتاج المحلي.
 

حجم إنتاج مصر وترتيبها عالميًا
تضع قواعد بيانات منظمة الأغذية والزراعة FAO مصر ضمن قمة المنتجين عالميًا بحجم يناهز 1.7–1.9 مليون طن سنويًا في 2023، أي ما بين نحو 17% و19% من الإنتاج العالمي، وهو ما يجعل عبارة “الأولى عالميًا” ممكنة في بعض السنوات، لكن الفارق بين مصادر الإحصاء يبقى قائمًا وتقديريًا، بما يستلزم الحذر من تحويل رقم متقلب إلى شعار ثابت للاستهلاك السياسي.

تقديرات منصات تعتمد بيانات FAOSTAT تُظهر قائمة الكبار في 2023 بنطاقات تقارب: مصر (~1.8–1.9 مليون طن) تليها السعودية والجزائر وإيران والعراق وباكستان والسودان وعُمان وتونس والإمارات، مع اختلافات في الغلة للهكتار وتنوع الأصناف وقابلية التصدير، ما يعني أن الصدارة الكمية لا تعني تلقائيًا ريادة نوعية أو سعرية.
 

مقارنة بأكبر 10 منتجين
تشير الجداول التجميعية الحديثة إلى محتوى ترتيبي تقريبي لعام 2023: مصر في الصدارة بنحو 1.8–1.9 مليون طن، ثم السعودية بنحو 1.6 مليون طن، فالجزائر بنحو 1.3 مليون طن، فإيران بنحو 1.0 مليون طن، والعراق نحو 0.64 مليون طن، وباكستان 0.50 مليون طن، والسودان 0.44 مليون طن، وعُمان 0.39 مليون طن، وتونس 0.39 مليون طن، والإمارات 0.33 مليون طن، مع تأكيد أن هذه القيم تُحدّث دوريًا وتظل تقديرية ضمن نطاقات معقولة لا تغيّر الاتجاه العام.
 

حجم صادرات مصر من التمور
في التجارة الدولية، لا تعكس قيمة صادرات مصر وزنها الإنتاجي؛ إذ تُظهر قواعد بيانات التجارة (HS 080410 – تمور طازجة/مجففة) أن صادرات مصر تدور في عشرات ملايين الدولارات سنويًا، مع تقديرات حديثة تشير إلى نحو 80–100 مليون دولار في سنوات قريبة وتستهدف الحكومة رفعها إلى 250 مليون دولار خلال خمس سنوات و500 مليون خلال عشر سنوات عبر خفض الفاقد وتحسين الجودة والتعبئة وسلاسل التبريد.

يتسق هذا مع تصريحات رسمية وخطط أممية معلنة تُقر بأن المشكلة ليست في الكمية بل في القيمة المضافة والمعايير التصديرية، وأن الطريق إلى مضاعفة العائد يمر عبر تحوّل في الخريطة الصنفية والاستثمار في ما بعد الحصاد بدل الاكتفاء بالشعارات.
 

حجم واردات مصر من التمور
رغم وفرة الإنتاج، تستورد مصر تمورًا بملايين الدولارات سنويًا لتغطية أصناف بعينها مطلوبة للذوق المحلي والمواسم، وبكميات تُقدّر بعدة آلاف الأطنان في 2023، ما يعني أن “الأولى إنتاجًا” لا تعني اكتمال سلة التنوع والجودة، وأن السوق المحلي يعتمد على واردات نوعية من دول مثل العراق والسعودية وتونس وغيرها وفق تقلبات الموسم والسعر.

استمرار الواردات بالتوازي مع الصادرات يوضح وجود فجوة بين ما يُنتَج بكثرة وما يُستهلك تفضيليًا، وهو نمط شائع في سلع زراعية تتعدد سلالاتها وتتفاوت مواصفاتها الصناعية والاستهلاكية.
 

لماذا ترتفع الأسعار على المواطنين؟
تتجه أفضل الأصناف والقِطع الأعلى جودة نحو التصدير حيث السعر أعلى، بينما يتحمل المستهلك المحلي كلفة لوجستيات ضعيفة وتعبئة متباينة وفاقد كبير بعد الحصاد، فتتضخم الأسعار رغم وفرة الكميات الإجمالية، وتزداد الفجوة في مواسم الذروة كرمضان.

كما أن تفاوت الجودة والتخزين والتبريد واحتكار سلاسل توزيع محلية في بعض المناطق يخلق طبقتين للسوق: تمور شعبية أقل جودة بأسعار تتذبذب، وتمور ممتازة محلية أو مستوردة عند شرائح أعلى في السعر، وهو ما يعمّق إحساس الغلاء لدى أغلبية المستهلكين.
 

تفنيد خطاب كامل الوزير
الادعاء بأن “مصر الأولى عالميًا في الإنتاج” قد يصح رقمياً في سنوات، لكنه يصبح تضليلًا حين يُستخدم كمرادف للاكتفاء أو انخفاض الأسعار أو التفوق التجاري، وهي استنتاجات لا تسندها البيانات عن قيمة الصادرات والواردات وهيكل السوق والفاقد.

الأكثر مهنية هو الاعتراف بخطة رفع القيمة المضافة وخفض الفاقد وتحسين سلاسل التبريد والتعبئة وفق الاستراتيجيات المعلنة، بدل الاكتفاء برفع شعار الصدارة الكمية الذي لا يغير واقع المستهلك الذي يواجه أسعارًا مرتفعة في مواسم الذروة.