يبيّن الدكتور عمر عبيد حسنة أن انحدار الأمة سببه التحييد والسلبية والتقليد والجبر، حيث أُقصيت عن الفاعلية والأمر بالمعروف، وغابت روح النقد والنصيحة حتى في ميادين العلم والمعرفة، مما ولّد كسلاً عقليًا وتواكلاً حضاريًا. ويرى أن استعادة الأمة لمكانتها لا تكون إلا عبر ممارسات إيجابية وتكافل فعّال يعيد الثقة، ويُحيي روح الإبداع والعمل الجماعي لبناء حضارة إسلامية جديدة على هدى من الله.

 

يقول: إن جل ما أصاب أمتنا، من الارتكاس والانحطاط، مرده بالأساس، إلى السلبية التي اتصفنا بها، من جراء التحييد والتقليد، والجبر.

 

فالتحييد، قد وقع على أمتنا منذ أعصر مبكرة، بحيث أوقع فينا السيف، فذبح خيارنا، وقصف منسكنا بالمنجنيق، وعولجت مشاكل، فكرية، وسياسية، وقبل ذلك، عقيدية، بالسنان عوض أن تعالج بمنطق اللسان، فطلبت السلامة في الصمت، وترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأسلم رجال السلطة -إلا من رحم ربك- لأهوائهم وغرائزهم، فازدادت الهوة اتساعا، إذ غاب مبدأ: " والله لو رأينا فيك اعوجاجا يا عمر لقومناه بحد سيوفنا " .

 

أثر التحييد على العلم والخطاب والمعرفة

 

وحتى في الجانب العلمي، اندرس خلق: ( قل يا ابن أخي، ولا تحقر نفسك ) ، وتركز واقع: (صه) ، و (اخرس قاتلك الله) ، فانطوى المسلمون على أنفسهم، وأفرزت لتسميتهم كلمات مثل: (الدهماء) و (الغوغاء) و (السوقة) و (الجهلة) و (الرعاع) وغيرها... فأسلم العلماء أيضا -إلا من رحم ربك- لأنفسهم، واستخذوا لهذا الواقع.. بل عضدوه بممارساتهم، فأصبحت تجد في مقدمة كتاب أحدهم مثلا: (تأليف الشيخ الأكبر، والكبريت الأحمر، الإمام، المجتهد، العارف بالله...) ، أو تجد: (قال الشيخ الإمام، العالم، العلامة، الـحبر الفهامة، المحقق المدقق، الحجة، الحافظ، المجتهد، شيخ الإسلام والمسلمين، وارث علوم سيد المرسلين، جلال الدين، أوحد المجتهدين. فلا يبدأ القارئ القراءة، إلا وقد أصيب بالشلل العقلي.. ويدعم ذلك في غضون الكتاب بعبارات مثل: (وهذا لا يقوله مسلم) ، أو قد تجد مباشرة عبارة: (ولعن الله من يقول هـذا، فما يقوله مسلم) واضمحلت الثقة الممكنة من النصيحة، التي جعلها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، هـي الدين في قوله: ( الدين النصيحة ) ، وحتى حين تقع النصيحة، فإنها تعارض بالتجهيل، والتفسيق، والرمي بالزندقة، في أحيان كثيرة، فانزلقت الأمة، إلى غياهب التحييد، فالسلبية، التي أدت إلى التقليد، الذي أدى بدوره إلى الكسل العقلي، فالإبداعي، وهو كسل وجد تكأته، في عقيدة الجبر، التي شاعت في الأمة، فأدت إلى التواكل، فكأنما يصدق فينا قول الشاعر:

 

فلو كان سهما واحدًا لاتقيته *** ولكنـه سـهم وثان وثالـث

 

سلسلة الانزلاق من التحييد إلى الجبر والتواكل

 

إن رفع هـذا القدر من البلاء، لا يمكن أن يتم، إلا بالممارسات الإيجابية، التي ينبغي أن يضطلع بالقيام بها جميع المسلمين، كل من زاويته، وبحسب قدرته، مما هـو كفيل -إن شاء الله- بإعادة الثقة، وزرع الحياة في أوصال الأمة، وتفتيق الإبداع، في عقول أبنائها، كيما يجددوا كيانها، ويعيدوا بناء الحضارة، وصياغة التاريخ، على هـدى من الله، وامتثال لأوامره.

 

أبعاد الحركة المطلوبة لاستعادة الفاعلية

 

فهذه أبعاد ثلاثة أساسية، تؤطر حركة الإنسان المسلم، في الواقع، بأوامر الله عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، الحاثة، على تبني هـموم الناس، والتكافل، والتعاضد معهم، قصد اجتياز عقبات مشاكلهم، زلفى إلى الله، وبرهنة على صلاحية دينه، لكل مكان وزمان، ودفعا للبلاء، وإقامة لبنيان خير أمة على للناس، من جديد.