في مشهد صادم قرب حيّ الصبرة بمحاذاة مستشفى الشفاء في مدينة غزة، نُفِّذت إعدامات ميدانية بحق ثلاثة رجال بملابس مدنية، معصوبي الأعين، أُطلق عليهم النار أمام حشود من المدنيين.

الحادثة التي وثّقتها مقاطع مرئية متداولة، وأكّدتها تقارير صحفية دولية بالاستناد إلى مطابقة جغرافية للموقع، تعود إلى يوم الأحد 21 سبتمبر 2025، فيما نُشر أول توثيق صحفي موسّع عنها في 22 سبتمبر.

أجهزة الأمن في غزة وصفت العملية بأنها “أحكام ثورية” بحق متهمين بالتخابر مع إسرائيل، على وقع تصاعد حديث رسمي إسرائيلي عن تسليح مجموعات محلية معادية لحركة حماس داخل القطاع.
 

إعدامات قرب الشفاء تهزّ المدينة
ووفقا لتحقيق ميداني للصحفية رشا قنديل يوثّق واقعة إعدام ثلاثة رجال بملابس مدنية قرب حيّ الصبرة بمحاذاة مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
تُظهر المقاطع المتداولة رجالًا معصوبي الأعين أمام جدار إسمنتي، وتحذيرًا موجّهًا “للمتخابرين”، قبل إطلاق النار عليهم أمام حشد من المدنيين.

ورغم غياب إعلانٍ رسمي مفصّل بالأسماء أو ساعة التنفيذ، أكّدت تقارير التحقّق الجغرافي وقوع الحادثة داخل مدينة غزة.
الأجهزة الأمنية في غزة وصفتها بأنها “أحكام ثورية” بحق متهمين بالتخابر، في رسالة ردع صريحة ضد الاختراق الداخلي.
 

من الردع الثوري إلى إدارة الأرض بالوكالة
يربط التحقيق توقيت الإعدامات بتحوّلٍ معلن في طبيعة الحرب.

ففي يونيو 2025، أقرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتسليح “عشائر معادية لحماس” داخل القطاع، بزعم حماية الجنود.
لا يُقرأ ذلك كتفصيل سياسي عابر، بل كمنعطفٍ نحو “الاستعمار بالتفويض”: إدارة الأرض عبر وكلاء محليين يضطلعون بمهام الضبط اليومي، فيما تتراجع الحاجة إلى كلفة الانتشار العسكري المباشر.
 

خرائط الشبكات: قادة وتشكيلات متشظية
يرصد التحقيق بروز تشكيلات محلية متباينة الولاء على خطوط التماس أو داخل مناطق أمنية تشرف عليها إسرائيل.

في شرق رفح، يبرز ياسر أبو شباب كنموذج “قوات شعبية” ذات غطاء عشائري وقنوات تواصل تتّصل بإدارة الأمن المحلي
جنوبًا يظهر حسام الأسطل، الضابط السابق في الأمن الوقائي، مقدّمًا سردية علنية عن “تنسيقٍ مشترك” و“إسنادٍ جوي”، بما يضعه في خانة الوكيل الميداني أكثر من الفاعل المستقل.
شمالًا، يقود أشرف المنسي ما يُعرف بـ“الجيش الشعبي – قوات الشمال”، مع رصد تجمعات مسلحة في مرافق مدنية وظهور أسلحة تتقاطع مع طرازات إسرائيلية قديمة.

يتجاوز المشهد “الفصيل” إلى شبكات مرنة ترتبط بضرورات التموضع والحماية، لا بهيكلة عسكرية صلبة.
 

اقتصاد الحرب: المال كرافعة للتجنيد والاختراق
في قلب المدينة تتقاطع اقتصادات الحرب: تحويلات نقدية، تسييل أموال بعمولات مرتفعة، وتجنيد مدفوع الأجر لجمع المعلومات أو تنفيذ مهام خاطفة. تُذكَر أسماء مثل أحمد جندية ورامي حلس كواجهات تمويل وتشغيل في بيئة سيولة أمنية ومالية مربحة. هنا تصبح المعلومة سلعة، والسلاح استثمارًا، فيما تُستمد الحماية من خطوط الجيش أكثر مما تُستمد من شرعية اجتماعية أو غطاء سياسي محلي.
 

تفكك اجتماعي على تخوم “الحزام الأمني”
لا يقف الأمر عند ثنائية “المقاومة – الوكلاء”، إذ يسرد التحقيق اشتباكات دامية مع فروع عائلية نافذة في الصبرة وخان يونس والشجاعية.
جغرافيًا، تقع أغلب هذه المواجهات على تخوم منطقة عازلة تسعى إسرائيل لتثبيتها، بما يتيح انسحابات محسوبة وإعادة تموضع بلا كلفة مباشرة، بينما تتولّى الشبكات المحلية فرض “النظام” عبر الردع والابتزاز والزبائنية.
 

القانون الدولي: مسؤولية بالوكالة
يذكّر خبراء قانون دولي بأن مبدأ السيطرة الفعلية يحمّل قوة الاحتلال مسؤولية أفعال الجماعات التي تسلّحها وتزوّدها بالمعلومات داخل نطاق سيطرتها.
عمليًا، تتحوّل هذه التشكيلات إلى امتدادٍ غير معلن لجيش الاحتلال، وتخضع انتهاكاتها—إن ثبتت—لمعيار المساءلة ذاته، ما يضع السياسة الإسرائيلية تحت طائلة المسؤولية القانونية عن انتهاكات الوكلاء.
 

من 2007 إلى 2025: تبدّل وظيفة العنف
يقارن التحقيق بين مشاهد 2007—حين استخدمت حماس العنف لإزاحة أجهزة منافسة وتثبيت سلطة بديلة—ومشهد 2025 حيث يغدو العنف رسالة ردع ضد اختراق داخلي مُصنّع. الفرق اليوم أنّ العلنية المقصودة في الإعدامات تستنزف رصيدًا اجتماعيًا هشًّا أصلاً، وتقرّب صورة المقاومة من عنف الدولة في مفارقة أخلاقية وسياسية مربكة.

ما كان يومًا تثبيتًا لسلطة قيد التشكل، يشي اليوم بهشاشة سلطة تتصدّى لتآكلٍ داخليّ يغذّيه تسليح العشائر والميليشيات.
 

خلاصة: احتلالٌ بلا جنود… وحربٌ تأكل بناها

تخلص رشا قنديل إلى أنّ ما يجري هندسة مدروسة للانقسام: وكلاء مسلحون بلا راية جامعة، اقتصاد حرب يشتري الولاءات، وقوة احتلال تُمسك بالخيوط من وراء ستار.

في هذا الإطار، تبدو الإعدامات العلنية عرضًا مرئيًا لتحوّلٍ أعمق: انتقال من قتال الوكيل (2007) إلى قتال الوكالة (2025)، حيث تتآكل البُنى من الداخل ويتّسع الفراغ السياسي والأمني مع كل جولة ردع جديدة.

https://x.com/QandeelRasha/status/1983393102225387805