في خطوة جديدة تعمّق معاناة المواطنين، أعلن رئيس الشعبة العامة للمخابز عبد الله غراب عن زيادة مرتقبة في أسعار الخبز السياحي بنسبة قد تصل إلى 40%، وذلك بعد أيام من قرار حكومة مصطفى مدبولي رفع أسعار السولار والبنزين، وسط تجاهل واضح لتأثيرات هذا القرار على السلع الأساسية.

 

الزيادة التي قد تصل إلى 50 قرشًا للرغيف الواحد، تأتي في وقت بالغ الحساسية، إذ يعاني ملايين المصريين من موجات غلاء متلاحقة طالت كافة جوانب الحياة، في ظل دخول حقيقية لم ترتفع، ودعم اجتماعي لا يكاد يُغطّي الحد الأدنى من احتياجات الأسر.

 

سياسات عشوائية.. والمواطن يدفع الثمن

 

تصرّ حكومة مصطفى مدبولي على المضي قدمًا في ما تسميه "الإصلاح الاقتصادي"، دون أن تضع أي اعتبارات واقعية لآثار هذه السياسات على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والتي أصبحت عاجزة عن تأمين أبسط احتياجاتها اليومية، وعلى رأسها الرغيف.

 

ومع أن الخبز السياحي لا يدخل ضمن منظومة الدعم، إلا أنه يُعد البديل الوحيد لملايين المواطنين الذين لا يمتلكون بطاقة تموينية، أو لا يجدون رغيفًا مدعومًا متاحًا في الوقت والمكان المناسب. ورغم هذه الحقيقة المعروفة، تواصل الحكومة سياسة "رفع اليد" وترك السوق يتحكم في أسعار الغذاء"، متذرعة بأن "السوق حر"، وكأن الواقع المعيشي للمواطنين يتيح لهم الدخول في مزادات على قوتهم اليومي.

 

العيش لمن يقدر فقط؟

 

أكثر ما يثير القلق في التصريحات الرسمية هو التطبيع الكامل مع فكرة أن الخبز، أهم سلعة في حياة المواطن المصري، أصبح رفاهية أو منتجًا خاضعًا لحسابات العرض والطلب.

 

يقول عبد الله غراب بوضوح إن الحكومة لا تدعم الخبز السياحي، وكأن هذا يبرر ترك ملايين المصريين لمصيرهم في مواجهة الأسعار المتصاعدة، دون رقابة أو ضوابط.

 

ورغم تأكيدات خالد صبري، نائب رئيس شعبة المخابز، أن الزيادة "ينبغي ألا تتجاوز 10%"، إلا أن الواقع يشير إلى أن المخابز، في ظل غياب الرقابة، تفرض ما تشاء من زيادات، مستغلة التبريرات الحكومية بزيادة تكاليف الإنتاج والنقل.

 

أين الرقابة؟ وأين الحق في الغذاء؟

 

لا توجد حتى الآن أي آلية حقيقية لضبط أسعار الخبز السياحي أو مراقبة الأوزان والجودة، رغم شكاوى متكررة من تقليل وزن الرغيف دون إعلان.

 

ومع ارتفاع سعر الدقيق الحر بنسبة 35%، وزيادات الغاز والكهرباء، وأجور العمال، فمن المتوقع أن تتحول كل المخابز تقريبًا إلى سوق مفتوح بلا أي سقف للأسعار.

 

المفارقة أن الحكومة نفسها تعترف بأنها لا تتدخل، وتكتفي بتشكيل "لجنة لمراجعة الأسعار" بالتنسيق مع الغرف التجارية، وكأن هذه الغرف تمثل مصالح المواطنين، لا أصحاب المخابز فقط.

 

التقشف للفقراء فقط؟

 

إذا كانت الدولة تسعى لتقليص عجز الموازنة، فلماذا يأتي ذلك دائمًا على حساب الطبقات الضعيفة؟ لماذا لا نرى أي سياسات لتقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري، أو مراجعة أولويات الإنفاق في قطاعات الترف والقصور والمواكب؟

 

لماذا يتم تحميل المواطن تكلفة كل قرار مالي، بينما يُترك وحده يواجه السوق وجشع المنتجين؟

 

الحكومة ترفع الأسعار.. والمواطن يأكل الغلاء

 

في ظل استمرار هذه السياسات، يبدو أن رغيف الخبز – الذي طالما مثّل خطًا أحمر في الوعي الشعبي – لم يعد كذلك بالنسبة للحكومة.

 

فبينما تتحدث الدولة عن وفورات مالية، يتحدث المواطن عن وجبة مفقودة، وجيب فارغ، ويوم آخر من النجاة لا من الحياة.

 

وإذا استمر هذا النهج، فإن مصر قد تدخل مرحلة "الغذاء لمن يقدر فقط"، في مشهد يناقض تمامًا الشعارات الرسمية حول "الحماية الاجتماعية" و"العدالة الاقتصادية".