في مشهد يتكرر كل عام ويتفاقم مع توسّع الاستيطان، قام مستوطنون إسرائيليون، صباح اليوم، بمنع مزارعين فلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية في بلدة بيت فوريك شرق نابلس، لقطف ثمار الزيتون، وذلك بحماية مباشرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي.


الحادثة التي وقعت في المنطقة الشرقية من البلدة ليست استثناءً، بل باتت جزءًا من سياسة ممنهجة تهدف إلى إرهاب المزارعين، ودفعهم قسرًا للتخلي عن أراضيهم، في ظل صمت دولي وتواطؤ واضح من قبل سلطات الاحتلال.


توسع البؤر الاستيطانية.. وموسم الزيتون في دائرة الاستهداف


تُحاصر بيت فوريك اليوم أربع بؤر استيطانية غير شرعية تم إنشاؤها خلال السنوات القليلة الماضية على التلال المحيطة بالبلدة. هذه البؤر، التي غالبًا ما تبدأ بعدد قليل من "الكرافانات"، تتحوّل بسرعة إلى مراكز استيطانية دائمة تُمارس العنف على مدار الساعة.


وبحسب إفادات أهالي البلدة، فإن المستوطنين لا يكتفون بمنع المزارعين من قطف الزيتون، بل يقومون أيضًا بـ:


- اقتلاع الأشجار.


- سرقة المحاصيل بعد نضوجها.


- الاعتداء الجسدي على المزارعين.


- حرق الأراضي أو رشها بمواد سامة.


وقال أحد المزارعين المتضررين: "نذهب إلى أرضنا بقلوب مرتجفة. لا نعلم إن كنا سنعود سالمين أو سنُطرد تحت تهديد السلاح. المستوطنون لا يخشون شيئًا لأنهم يعرفون أن جنود الاحتلال يقفون إلى جانبهم."


جيش الاحتلال: الحامي الرسمي للاعتداءات


المفارقة المؤلمة أن جيش الاحتلال، الذي يُفترض أنه يدّعي "الحياد" بين الطرفين، يقف دائمًا إلى جانب المستوطنين. ففي مشهد اليوم، حضر الجنود إلى الموقع بعد اندلاع التوتر، لكن بدلاً من طرد المعتدين، قاموا بطرد المزارعين الفلسطينيين من أراضيهم، ومنعهم من قطف ثمار زيتونهم.


وقال شهود عيان إن أحد الضباط أبلغهم صراحة أن "دخولهم الأرض دون تنسيق مسبق ممنوع"، رغم أن الأراضي ليست ضمن ما تُعرف بـ"مناطق عسكرية مغلقة"، وإنما أراضٍ فلسطينية خاصة، موثقة في الطابو، ويزرعها أصحابها منذ عشرات السنين.


بيت فوريك.. نموذج مصغّر للاستيطان القسري


تُعتبر بيت فوريك واحدة من أكثر البلدات الفلسطينية تضررًا من التوسع الاستيطاني في محافظة نابلس. تقع البلدة على مساحة تزيد عن 35 ألف دونم، لكنها اليوم محاصرة فعليًا، بعدد من الحواجز والبؤر التي تقطع أوصالها، وتمنع السكان من الوصول الحر إلى أراضيهم.


ومع كل موسم زيتون، يتحول الفلاح الفلسطيني إلى هدف مباشر، في محاولة لقطع صلته بالأرض. ومن المعروف أن شجرة الزيتون، في المخيال الفلسطيني، ليست مجرد مصدر دخل، بل رمز للثبات والصمود والانتماء. لذا فإن الاعتداء على الأشجار والمزارعين، يُعد اعتداءً على هوية الشعب نفسه.


المنظمات الحقوقية تحذر.. والمجتمع الدولي يصمت


رغم توثيق مئات الانتهاكات المماثلة كل عام من قبل منظمات مثل بتسيلم وهيومن رايتس ووتش ومركز المعلومات الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن الرد الدولي لا يتجاوز الإدانات الشكلية.


في المقابل، لا تُتخذ أي إجراءات فعالة ضد المستوطنين أو الجهات العسكرية التي توفر لهم الحماية، ما يعزز شعور الإفلات من العقاب، ويفتح الباب أمام تصعيد أكبر.


وتقول ناشطة حقوقية من منظمة إسرائيلية مستقلة كانت حاضرة في الموقع: "ما رأيناه اليوم ليس فقط جريمة بحق المزارعين، بل إهانة للقانون الدولي الذي لم يعد يُطبق إلا على الضعفاء."

 

الزيتون يقاوم.. والمحتل لا يرحم


مع كل موسم زيتون، يُصرّ الفلسطيني على التمسك بأرضه، رغم التهديد، والاعتداء، والمصادرة. أما المستوطنون، المدعومون بجيشٍ مسلّح، فيواصلون سياسة "فرض الأمر الواقع"، مستغلين صمت العالم، وازدواجية المعايير الدولية.


لكن رغم ذلك، يبقى المشهد الأكثر صدقًا في بيت فوريك: مزارع يحمل سلّته، يسير وسط الجنود، ويتسلّق التلّ ليقطف الزيتون، كما فعل أجداده من قبله.