جاءت زيارة اللواء حسن رشاد، رئيس المخابرات العامة المصرية، إلى إسرائيل (فلسطين المحتلة) وسط معاناة إنسانية بالغة الأهمية وتعقيدات في المشهد بعد اتفاق شرم الشيخ ومحاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التملص من بنوده، حيث سجلت نحو 55 انتهاكاً لاتفاق وقف النار خلال الأيام الماضية، مع تصاعد لهجة الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب الداعية لتدمير حماس وإجبارها على نزع سلاحها، بينما تواصل حركة حماس مناورة الميدان وتكيّف تكتيكها للحفاظ على التزامها بالاتفاق واحتفاظها بأوراق قوتها.

لكن هذه الزيارة لم تكن مجرد محاولة لإنهاء الأزمة الإنسانية، بل تشير إلى تحالف واضح بين النظام المصري وحكومة الاحتلال الإسرائيلية يخدم في واقع الحال السياسة الإسرائيلية القاسية ضد غزة، ويكرس حصارًا خانقًا يزيد من معاناة الفلسطينيين من دون آفاق حقيقية لتحسين الأوضاع.
 

الشراكة المصرية-الإسرائيلية في الحصار
رغم التغطية الإعلامية التي حاولت تقديم الزيارة باعتبارها جهدًا لحماية المدنيين وتثبيت الهدنة، إلا أن الوقائع وحجم الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة تشير إلى العكس.
فقد وثقت تقارير أكثر من 55 خرقًا لاتفاق وقف النار، تترافق مع إغلاق متكرر للمعابر واحتكارًا للمساعدات تحت السيطرة الإسرائيلية.

وعلى الجانب المصري، هناك صمت رسمي واضح وغياب لأي ضغط حقيقي على إسرائيل لكسر الحصار أو تخفيف المعاناة، مما يجعل مصر شريكًا فعليًا في سياسة التضييق هذه.
 

انتهاكات نتنياهو وتأثيرها على غزة
حكومة نتنياهو لم تتوقف عند حدود الانتهاكات المستمرة لوقف النار، بل يبدو أنها تستخدم الزيارة لتمرير سياسة تعزل غزة أكثر وتفرض شروطًا قاسية، في مقدمتها نزع سلاح حماس الذي وقعت عليه إدارة ترامب كشرط للسماح لأي هدنة مستدامة.

السياسة الإسرائيلية القائمة على استخدام القوة والتهديدات المتواصلة، تتزامن مع خطوات عملية من إغلاق شامل للمعابر ووقف إدخال المواد الحيوية، ما يزيد من عزل القطاع ويقولف إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في الوقت الذي تروج فيه الزيارات الرسمية لنجاحات غير واقعية.
 

موقف حركة حماس: المراوغة والتصدي
حماس تتعامل مع هذا الواقع المعقد بذكاء تكتيكي، تحاول الحفاظ على الهدنة خشية حرب مدمرة جديدة، بينما ترفض بشدة كل محاولات نزع السلاح والإذعان لشروط الاحتلال الأمريكية الإسرائيلية.

الفراسة السياسية التي تعتمدها الحركة تشير إلى استيعابها لديناميكية الميدان، لكنها لا تخفي رفضها لسياسات الحصار التي تكرسها كل من الاحتلال والنظام المصري، وتتمسك بحماية حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال ورفض تسليم السلاح.
 

زيارة بلا أثر إنساني أو سياسي حقيقي
الزيارة على أرض الواقع لم تسهم بأي تحسن جوهري في حياة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة، بل على العكس، فتحت المجال لاستمرار حصار خانق وإملاءات جديدة من الاحتلال على حركة حماس. ما قُدم للكاتب الإعلامي والسياسي على أنه "نجاحات دبلوماسية" ليس إلا محاولة لتجميل صورة تعاون قمعي يخنق أهل غزة ويتركهم ضحايا لتصفية سياسية وحصار اقتصادي مبرمج بمشاركة النظام المصري.
 

الانتهاكات الإسرائيلية: غارات متواصلة وسقوط الشهداء
منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، شهد قطاع غزة تصعيدًا غير مسبوق في الانتهاكات الإسرائيلية التي تجاوزت 55 خرقًا رسميًا. القصف الجوي المكثف تركز على مناطق مأهولة بالسكان، ما أدى إلى سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى من المدنيين الأبرياء، بينهم نساء وأطفال، وفقًا لإحصائيات وزارة الصحة في غزة، فقد استشهد 80 فلسطينياً خلال فترة تفعيل الاتفاق بدءًا من 10 أكتوبر 2025، وأصيب أكثر من 300 آخرين، بينما جرى انتشال 426 جثة من تحت الأنقاض، ويظل عدد غير قليل من الضحايا تحت الركام وفي الشوارع، حيث تعجز طواقم الإسعاف عن الوصول إليهم.

أما من بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023 حتى الآن، فقد تجاوز عدد الشهداء 68,000 شهيد، من بينهم أكثر من 18 ألف طفل و12 ألف امرأة، مع إصابات تجاوزت 170 ألف حالة، إلى جانب دمار شامل طال أكثر من 90% من البنية التحتية في القطاع، حيث تعرضت المستشفيات الكبرى مثل مستشفى الشفاء ومستشفى العزل القسري لقصف مباشر أدى لسقوط مئات الضحايا، إضافة إلى تدمير عشرات المدارس التي حُرم بسببها آلاف الطلاب من التعليم. تعكس هذه الأرقام مأساة إنسانية متزايدة وسط استمرار الحصار المفروض على القطاع، مما يزيد المعاناة اليومية للفلسطينيين ويعكس فشل أي جهود لوقف المعاناة الحقيقية في غزة.

هذا المستوى من العنف والانتهاكات يضع في سياق التقرير حقيقة أن الزيارة المصرية لإسرائيل، التي شن عليها كثير من النقاد اتهام بالتواطؤ في تشديد الحصار، لا تعكس رغبة فعلية في تحسين الوضع، بل تثبيت واقع مؤلم يشهد تصعيدًا مستمرًا في الاعتداءات والدمار.

الخلاصة أنه ليس هناك من شك أن زيارة رئيس المخابرات المصرية لإسرائيل ليست إلا جزءًا من سياسة تضييق خانقة على غزة، تتداخل فيها مصالح النظام المصري مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي، وتحت مظلة "تثبيت الهدنة" التي لا تتعدى أن تكون غطاءً لتكريس حصار خانق وانتهاكات متجددة بحق الشعب الفلسطيني. الحالات الإنسانية في غزة تتدهور يومًا بعد يوم، والزيارة لم تغيّر شيئًا سوى تثبيت هذا الواقع المرير وتعزيز التحالف المصري الإسرائيلي الذي يخنق غزة، لا ينقذها.