رغم مرور أيام على إعلان وقف إطلاق النار في قطاع غزة، عادت طائرات الاحتلال الإسرائيلي صباح أمس الأحد إلى استهداف مناطق متفرقة من القطاع، في خرق جديد لبنود الاتفاق، وسط تصاعد التوتر الميداني وتبادل الاتهامات بين حركة حماس وإسرائيل بشأن المسؤولية عن هذه الانتهاكات.

 

وأفادت وسائل إعلام محلية بأن الطيران الحربي الإسرائيلي شنّ غارات على مدينة رفح جنوب القطاع، وعلى جباليا شمالاً، ما أسفر عن سقوط عدد من الشهداء والجرحى في صفوف المدنيين، في وقت تبرر فيه تل أبيب هذه الهجمات بأنها "ردٌّ على إطلاق نار من قبل مسلحين فلسطينيين".

 

ونقلت شبكة "سكاي نيوز" عن مصادر عبرية أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف مواقع في رفح بعد ما وصفته بـ"حادث أمني"، زاعمة أن "مسلحين أطلقوا النار على آلية للجيش الإسرائيلي، ما استدعى رده بقصف جوي". لكن شهود عيان من داخل القطاع أكدوا أن القصف طال منازل سكنية ومناطق مدنية مكتظة، ما تسبب في إصابات بين النساء والأطفال.

 

في المقابل، نفت حركة حماس مسؤوليتها عن أي خرق للاتفاق، مؤكدة على لسان عضو مكتبها السياسي عزّت الرشق أن الحركة "ملتزمة التزامًا كاملًا بوقف إطلاق النار"، واتهمت إسرائيل بـ"اختلاق الذرائع لتبرير استمرار عدوانها على غزة". وأضاف الرشق أن "الاحتلال يواصل جرائمه الميدانية ويتنصل من التزاماته التي تعهد بها أمام الوسطاء الدوليين".

 

وتأتي هذه التطورات بعد إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 47 خرقًا موثقًا منذ إعلان وقف الحرب، شملت إطلاق نار مباشر على المدنيين، وغارات جوية، واعتقالات في مناطق متفرقة، معتبرًا ذلك "دليلًا على استمرار النهج العدواني رغم الاتفاق".

 

كما أوضح المكتب أن استمرار إغلاق معبر رفح بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمثل خرقًا صريحًا لبنود وقف النار، إذ كان من المفترض وفق التفاهمات السماح بعودة الحركة المدنية وتدفق المساعدات إلى القطاع. وطالبت حماس الوسطاء، خصوصًا مصر وقطر والأمم المتحدة، بالتدخل العاجل لإلزام إسرائيل بفتح المعبر ووقف استهداف المدنيين.

 

في الجانب الإسرائيلي، تعالت أصوات داخل الحكومة اليمينية المتطرفة تدعو إلى استئناف العدوان العسكري الشامل على غزة. فقد صرّح وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير قائلًا: "الأوهام الزائفة بأن حماس ستغير جلدها تتبيّن خطورتها. يجب إبادة تنظيم الإرهاب النازي حتى النهاية، وكلما كان ذلك عاجلًا كان أفضل". من جهته، دعا وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى "استئناف القتال فورًا لاستعادة الردع".

 

ويرى محللون أن هذه التصريحات تعكس انقسامًا داخل القيادة الإسرائيلية بين جناح يدعو للتهدئة لتفادي ضغوط المجتمع الدولي، وآخر يسعى لإفشال الاتفاق واستغلال أي ذريعة لإعادة التصعيد، في وقت تواجه فيه حكومة نتنياهو أزمة داخلية خانقة وضغوطًا من المعارضة الإسرائيلية والرأي العام بسبب فشلها في تحقيق "نصر حاسم" في غزة.

 

من جهة أخرى، تثير الغارات الجديدة مخاوف من انهيار كامل لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة مصرية وقطرية وبرعاية الأمم المتحدة. فالاتفاق، الذي هدف إلى إنهاء الحرب المدمرة التي استمرت شهورًا، نصّ على وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق، وفتح المعابر الإنسانية، وإطلاق سراح عدد من الأسرى والمعتقلين.

 

لكن استمرار الانتهاكات الميدانية، إلى جانب تصريحات التحريض الصادرة عن مسؤولين في الحكومة الإسرائيلية، يهدد بجرّ القطاع إلى دوامة جديدة من العنف، في وقت يعاني فيه سكان غزة من أوضاع إنسانية متدهورة وانهيار كامل للبنية التحتية الصحية والإغاثية.

 

وتحذر منظمات حقوقية دولية من أن التصعيد الإسرائيلي قد ينسف جهود الوسطاء لإعادة الإعمار، ويُفقد الثقة بالعملية السياسية التي تهدف إلى تثبيت الهدوء على المدى الطويل. كما اعتبرت أن استهداف المدنيين والمناطق السكنية "يشكل انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني".

 

وبينما تتبادل الأطراف الاتهامات بالمسؤولية عن خرق الاتفاق، يبقى سكان غزة هم الضحايا الحقيقيين لهذا التصعيد المتجدد، عالقين بين سياسة الحصار الإسرائيلية وتردي الأوضاع المعيشية، في مشهد يعيد إلى الأذهان مراحل العدوان السابقة، حيث كانت الهدن تنهار دائمًا تحت وطأة النار.