أثارت تصريحات رجل الأعمال وعضو مجلسالنواب محمد أبو العينين جدلًا واسعًا، بعدما أكد في مقابلة إعلامية أن عمال شركاته ومصانعه يتقاضون "رواتب كبيرة" ويحصلون على "أفضل المزايا" من تأمين صحي ومكافآت وحوافز، مؤكدًا أن ما يقدمه لهم يعد نموذجًا يحتذى به في رعاية العامل المصري.
لكن ما إن انتشرت هذه التصريحات، حت ىبدأ سيل من الشهادات يتدفق على مواقع التواصل الاجتماعي، من عمال حاليين وسابقين في شركات أبو العينين، لينسفوا لصورة الوردية التي حاول رسمها. الواقع، كما يرويه هؤلاء، مختلف تمامًا:
رواتب بالكاد تقترب من الحد الأدنى للأجور،تأمين صحي حكومي لا يغطي احتياجاتهم الفعلية، ساعات عمل طويلة بلا تعويضات عادلة، وبيئة عمل يصفها البعض بأنها "مرهقة حتى الموت".
شهادات من قلب المصانع: الأرقام لاتكذب
أحد العمال في أحد مصانع السيراميك التابعة لمجموعة أبو العينين تحدث عبر فيسبوك قائلًا: "إحنا بناخد مرتبات أقل من الحد الأدنى اللي الحكومة بتقول عليه… ولما تيجي تشتكي يقولك الباب يفوّت جمل"،في إشارة إلى سياسة الترهيب لمن يحاول المطالبة بحقه.
عامل آخر أوضح أن التأمين الصحي الذي يتحدث عنه أبو العينين هو مجرد الاشتراك الإجباري في التأمين الحكومي، والذي يعرفالجميع ضعف خدماته وطول قوائم الانتظار فيه، مضيفًا: "لو اتعورت في المصنع أو وقعت، ممكن تفضل مستني ساعات على ما الإسعاف تيجي، وبعدها تدخل مستشفىحكومي ما فيهاش الإمكانيات اللي تعالجك كويس".
العديد من الشهادات أكدت أن الحوافز والمكافآت التي يذكرها رجل الأعمال أبو العنين في تصريحاته ليست إلا مبالغ رمزيةمرتبطة بإنتاجية عالية وضغط عمل شديد، وغالبًا ما تُحجب إذا تراجع الإنتاج لأي سبب، حتى لو كان خارج إرادة العامل.
الفجوة بين الإعلام والواقع
هذه القضية تسلط الضوء على فجوة كبيرةبين ما يُقال في الإعلام وبين الواقع الميداني للعمال في مصر.
تصريحات أبو العينين جاءت في إطار ما وصفه بأنه "حرص على دعم العمالة الوطنية"، لكن عدمتقديم أرقام دقيقة أو كشف عقود العمل الفعلية جعل الأمر يبدو أقرب إلى الدعاية الإعلامية منه إلى كشف حقيقي للحقائق.
وسائل الإعلام التي استضافته لم توجهله أي أسئلة محرجة عن شكاوى العمال أو عن تفاصيل المرتبات الحقيقية، ما يعكس تحيزًا واضحًا في الخطاب الإعلامي، الذي غالبًا ما يتجنب مساءلة رجال الأعمالالكبار، خاصة ممن لهم نفوذ سياسي.
بيئة العمل في مصر… مشكلة أوسع
قضية أبو العينين ليست حالة منفصلة، بل جزء من أزمة شاملة في سوق العمل المصري، حيث يتعرض ملايين العمال لظروف غير عادلة،تشمل:رواتب متدنية لا تكفي لتغطية تكاليف المعيشة وغياب التأمين الصحي الخاص أو الخدمات الطبية الجيدة فضلا عن ضعف الرقابة الحكومية على التزام الشركاتبقوانين العمل والخوف من الفصل التعسفي عند المطالبة بالحقوق.
وفي ظل غياب نقابات قوية ومستقلة، يجد العامل نفسه مضطرًا للقبول بأي شروط يفرضها صاحب العمل، خاصة مع معدلات البطالة المرتفعة التي تجعل فرص الحصول على وظيفة بديلة محدودة.
شهادة من عامل سابق: “أبو العينين بيكسب بالملايين وإحنا بناكل بالديون”
أحد العمال السابقين، الذي ترك العمل في مصنع للسيراميك قبل عامين، تحدث في تصريحات لأحد المواقع العربية عن الفجوة الكبيرة بين أرباح الشركات وأجور العمال: "المصنع بيشتغل على مدار 24 ساعة، والإنتاج بيطلع بالآلاف كل يوم، والأرباح بالملايين، لكن نصيبالعامل من ده كله شوية قروش ما تكفيش إيجار شقة صغيرة".
وأضاف: "كان ممكن نشتغل 12 ساعة أو أكتر في اليوم، ولو اعترضت أو طلبت زيادة مرتب، الرد الجاهز: في غيرككتير مستني الشغل"، وهي جملة تلخص عقلية استغلال البطالة للضغط على العمال.
أين دور وزارة القوى العاملة؟
القانون المصري ينص على حد أدنى للأجور يجب الالتزام به، إضافة إلى معايير السلامة المهنية والتأمين الصحي.
ومع ذلك، يبدوأن وزارة القوى العاملة لا تملك أو لا ترغب في فرض رقابة صارمة على التزام الشركات الكبرى بهذه المعايير، ربما بسبب نفوذ أصحابها أو علاقاتهم السياسية.
غياب العقوبات الرادعة على المخالفينيشجع على استمرار هذه الممارسات، حيث يدرك أصحاب الشركات أن أقصى ما قد يواجهونه هو غرامات بسيطة لا تمثل شيئًا أمام أرباحهم الضخمة.
وسلطت تصريحات محمد أبو العينين الأخيرة الضوء من جديد على أوضاع العمال في مصر، لكنها في الوقت نفسه كشفت عن الهوة العميقة بين الخطاب الإعلامي والواقع الميداني.
بينما يحاول أصحاب الشركات تقديم أنفسهم كنماذج لرعاية العمالة، تكشف شهادات هؤلاء العمال عن واقع قاسٍ من الأجور المنخفضة، والتأمين الصحي المحدود، والضغط المستمر دون حماية حقيقية من الدولة.
وفي الأخير فالعامل المصري يظل عالقًا بين مطرقة الحاجة إلى لقمة العيش ومطرقة استغلال أرباب العمل، في ظل منظومة سياسية واقتصادية وإعلامية تبدو منحازة ضد مصالحه.
وما لم تتغير هذه المعادلة عبر قوانين صارمة، ونقابات مستقلة، وإعلام حر، ستظل القصص تتكرر، من أبو العينين إلى غيره،بينما يبقى العامل في موقع الخاسر الأكبر.