في قرار أثار جدلاً واسعاً، جدد وزير النقل الفريق كامل الوزير ثقته في المهندس محمد عامر كرئيس للهيئة القومية لسكك حديد مصر لمدة عام إضافي اعتباراً من منتصف 2025.

ويأتي هذا القرار رغم الحوادث المتكررة التي شهدها قطاع السكك الحديدية خلال فترة توليه رئاسة الهيئة منذ عام 2022،

والتي كان آخرها حادث تصادم مأساوي في محافظة المنيا أكتوبر 2024 أدى إلى سقوط عشرات الإصابات وغرقت عربات قطار في ترعة قريبة.

هذا التخبط الإداري والحوادث المتكررة يطرح تساؤلات حول جدوى استمرار محمد عامر في موقعه، خاصة مع تحميل نقابة العاملين في السكك الحديدية لمسؤولية تطور المنظومة رغم كل الإصلاحات المعلنة، والتي بحسبهم لم ترتقِ بعد إلى مستوى التحديات الواقعية التي يواجهها الركاب يومياً.

 

من هو محمد عامر؟!

المهندس محمد عامر عبد العزيز تم تكليفه بمنصب رئيس الهيئة القومية لسكك حديد مصر في 2022، حيث كان نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة لقطاع صيانة الوحدات المتحركة والدعم الفني، ومنذ توليه المنصب، تم تجديد تعيينه عدة مرات متتالية (2023، 2024، وحتى منتصف 2025)، وسط حديث رسمي عن خطط لتطوير البنية التحتية وأنظمة الإشارات والورش الإنتاجية.

لكن جانبا مظلماً من إدارته جاء عبر اتهامات متكررة بإهمال منظومة الإدارة، ووقوع حوادث مأساوية ناتجة عن تلك الإهمالات، بالإضافة إلى شبهات فساد تتعلق بتعيينات مشبوهة لأقارب في شركات تابعة للسكك الحديدية عن طريق المحسوبية، مما اضطر وزير النقل كامل الوزير لإجراء تحقيقات وإحالة العديد من المسئولين إلى النيابات العسكرية، في محاولة لإعادة الثقة وأيضاً استبدال قيادات الصف الأول والثاني.

 

حوادث متكررة..

شهدت شبكة السكك الحديدية المصرية خلال سنوات قليلة سلسلة طويلة من الحوادث دموية ومؤلمة:

  • تصادم قطارين في الزقازيق سبتمبر 2024، تسبب في 3 وفيات وعشرات الجرحى.
  • حادث المنيا في أكتوبر 2024 حيث اصطدمت قاطرة بقطار ركاب، مما أدى إلى إصابة 20 شخصًا وغرق عربتين في ترعة.
  • حوادث أخرى كثيرة في 2021-2023 شملت خروج قطارات عن القضبان وتصادمات مختلفة، خلفت عشرات القتلى والمصابين.

هذه الحوادث تؤكد استمرارية سوء الحالة الفنية والإدارية، رغم التصريحات الرسمية والرصد الإعلامي للحاجة إلى استثمارات ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات لإصلاح الشبكة المهترئة.

 

فساد مالي وإداري في هيئة السكك الحديدية

بعيدًا عن الحوادث، تواجه الهيئة أزمة مالية خانقة مع خسائر متزايدة وصلت إلى 5.4 مليار جنيه في موازنة 2024/2025، رغم تسويات الدولة، يعزو مسؤول الهيئة ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد والديون والقروض متراكمة التي تبلغ 21 مليار جنيه محلياً وأكثر من 8 مليارات جنيه من القروض الأجنبية.

كما كشفت تحقيقات وزارة النقل ووزيرها كامل الوزير قضايا فساد وتعيينات غير قانونية لأقارب في شركات تابعة، الأمر الذي أدى إلى إحالة 15 شخصاً إلى النيابة العسكرية بينهم قيادات وأولهم مدراء ضمن الهيئة نفسها، هذا الأمر ألقى بظلال من الشك على نزاهة إدارته وأدى إلى تغييرات في صفوف القيادة، رغم بقاء عامر في منصبه.

تصريحات من سياسيين مثل برلمان العسكر المصري ولجنة النقل أشارت مراراً إلى سوء الإدارة والتقصير في تدريب العاملين، بالإضافة إلى نظام التحكم الآلي القديم، الذي يعتمد على "خلو الطريق" بدلاً من الأنظمة الحديثة للإشارات، مما تسبب في سقوط ضحايا في حوادث مثيرة للجدل مثل حادث العياط عام 2009، الذي اعتبره نواب وأعضاء لجنة النقل دليلًا ملموسًا على فساد وإهمال الهيئة، مؤكدين أن تلك الحوادث تصل إلى حد الجريمة.

كما قال وزير النقل كامل الوزير إن هناك محاولات احتيال عبر تعيينات محسوبيات، وأنه يتابع الملفات بنفسه لتطهير الهيئة، مع تركيزه على جذب دماء جديدة في القيادات، في محاولة لتدارك ما وصفه بالوضع الكارثي للسكك الحديدية.

رغم سلسلة الحوادث الدامية التي تزخر بها شبكة السكك الحديدية المصرية خلال سنوات محمد عامر في رئاسته، ورغم الادعاءات العديدة بالفساد وسوء الإدارة، فإن وزير النقل كامل الوزير، مع دعم ضمني من قائد الانقلاب، جددت الثقة في عامر ليدير الهيئة عاماً آخر.

هذا القرار يُعد إصراراً على الحفاظ على نظام إداري موثوق لكنه يعاني من خلل جذري يهدد أرواح مئات الآلاف من المصريين يومياً، ويثير علامات استفهام كبيرة حول جدوى الإصلاحات ووعد تحسين منظومة النقل الحديدي في مصر.

إن التحديات الحقيقية التي تواجه السكك الحديدية ليست فقط تقنية أو مالية، بل تتعدى ذلك إلى جوهر الإدارة والمؤسسات، التي ما تزال محاصرة بأدوات تقليدية من الفساد والمحسوبية، ما يعمق أزمة المرفق الحيوي ويحول دون تغييره إلى نموذج آمن وفعال للنقل في مصر.