إذا سألت طفلاً مصريًا: من هو العدو؟، سيجيبك من فوره بلا تردد: إسرائيل، فالمصريون يربون أولادهم على تلك الحقيقة التي لم تتغير أو تتبدل حتى بعد 47 عامًا على معاهدة السلام بين مصر و"إسرائيل"، التي أوقفت حالة الحرب القائمة منذ عام 1948.
ما يقرب من نصف قرن على السلام الذي يحلو لـ "الإسرائيليين" وصفه بـ "البارد" لأنهم يدركون تمامًا، أنه وإن أنهى حالة العداء الرسمية، لكنه لم ولن يقضي على حالة العداء الشعبية الكامنة في نفوس المصريين على اختلافهم تجاه "الكيان الغاصب".
دماء لم تتحول يومًا إلى ماء
فكل شبر على أرض سيناء شاهد بتضحيات المصريين لاسترداد أراضيهم، الآلاف رووا بدمائهم الطاهرة الزكية أرض سيناء، والكثير دفنوا في ترابها ولم يستدل لهم على أثر حتى الآن.
لم ولن ينسى المصريون أبدًا المجازر المروعة التي ارتكبها الصهاينة في بحر البقر وغيرها، والتي تعد شاهدًا على إجرامهم وانعدام إنسانيتهم.
يدرك صُنّاع القرار في مصر أن علاقتهم بــ "إسرائيل" لا تعني أبدًا التطبيع معها، فما بيننا وبينهم دم لن تمحوه الأيام ولا السنين. وهذا ما تعكسه استطلاعات الرأي التي تجرى من وقت لآخر.
وقد أظهر استطلاع رأي أُجري في مصر في نوفمبر قبل سنوات لصالح معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن المصريين ما زالوا يُبدون مقاومة كبيرة لتقارب العلاقات مع "إسرائيل".
إذ لا يحظى تطبيع العلاقات المصرية مع "إسرائيل" بتأييد شعبي يُذكر. فلا تتجاوز نسبة الموافقين على السماح لمن يرغبون في إقامة علاقات تجارية أو رياضية مع إسرائيليين (8 بالمائة).
وعلى الرغم من أن مصر كانت أول دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع "إسرائيل"، إلا أن نتائج الاستطلاع أظهر استياءً واسعًا من اتفاقيات السلام بين الإمارات والبحرين، أو من احتمال زيادة التواصل المصري مع "الإسرائيليين. إذ يرفضها غالبية المستطلعة آراؤهم (67 بالمائة)، مقابل ربع المصريين الذين يرون هذه الاتفاقيات إيجابية.
من سليمان خاطر إلى محمد صلاح
في ثمانينيات القرن الماضي، أطلق جندي مصري يُدعى سليمان خاطر النار على مجموعة من السياح "الإسرائيليين" من برجه العسكري في رأس بوركة، وهي نقطة حدودية صغيرة في سيناء قرب الحدود مع "إسرائيل"، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص.
وقد حظي خاطر الذي حكم عليه بالسجن المؤبد، وأعلن لاحقًا العثور عليه ميتًا في زنزانته باستقبال حافل كبطل من قبل المصريين وعموم الدول العربية، واعتُبر مصدر إلهام للمصريين والعرب الذين يدركون وحشية الاحتلال "الإسرائيلي".
لم يكن الشاب محمد صلاح قد ولد وقتما نفذ خاطر هجومه، لكنه قد شرب من كراهيته لكل ما هو "إسرائيلي"، وذلك حين أقدم في عام 2023 على قتل 3 جنود "إسرائيليين" عند نقطة حراسة قرب معبر العوجة، ليتحول إلى "أيقونة شعبية"، وسط حفاوة جارفة.
فعلى الرغم من أن صلاح ليس له أي نشاط سياسي من قريب أو من بعيد، لكنه كان يظهر تعاطفًا من وقت إلى آخر مع قطاع غزة كلما اشتدت الضربات "الإسرائيلية"، وكتب ذات مرة على صفحته "الله يقف مع فلسطين".
وعقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك، اقتحم الشعب المصري السفارة "الإسرائيلية" في القاهرة وأحرقوها. وفرّ موظفو السفارة ولم يعودوا إلا بعد الإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا، محمد مرسي، بمساعدة "إسرائيل" وأنظمة عربية استبدادية أخرى عام 2013.
لماذا لن يتحول السلام البارد إلى سلام دافئ؟
كل هذا يكشف لماذا يؤمن "الإسرائيليون" بالحقيقة الصادمة حول "السلام البارد"، الذي لم ولن يكون "سلامًا دافئًا"، بينما المصريون إخوة لهم في الدين والإنسانية يبادون عن بكرة أبيهم، لا لشيء سوى أنهم يتمسكون بالبقاء في أرضهم ويرفضون مغادرته.
وليس من قبيل المبالغة أنه لا يوجد شعب يشعر بآلام وأوجاع الفلسطينيين أكثر من الشعب المصري، وهو أكثر من قدم تضحيات لأجل فلسطين من غير مزايدات، ومن يبذل الدم يهون في عينيه أي شيء آخر.
ما سبق هو بعض من كل، قد يجد فيه عمرو أديب وغيره من الإعلاميين الإجابة على سر كراهية المصريين لـ "إسرائيل"، ورفضهم التطبيع معهم بأي شكل من الأشكال، والأمر هنا لا يتعليق بيساري أو ناصري، بل بالضمير الوطني للمصريين الذي يرفض المساومة على الدماء، ولا يستطيع أن ينسى إجرام العدو أبدًا.

