ودّع الوسط الصحفي الفلسطيني أحد أبرز وجوهه الميدانية، الصحفي أنس الشريف، الذي اغتالته قوات الاحتلال الإسرائيلي مساء أمس الأحد، مع أربعة من زملائه الصحفيين، قرب محيط مستشفى الشفاء في مدينة غزة.
رحيل الشريف جاء ليضيف حلقة جديدة في سلسلة استهداف ممنهج للصحفيين، ضمن حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال منذ أكتوبر 2023، في محاولة لإسكات كل صوت ينقل الحقيقة من قلب المأساة.
لكن أنس، الذي عرفه الميدان شاهدًا وناقلًا للحدث، رفض أن تكون رصاصات الاحتلال خاتمة صوته، تاركًا خلفه وصية مؤثرة نُشرت على صفحته الشخصية في "فيسبوك"، لتكون رسالته الأخيرة إلى العالم، وصرخة وصمود يتجاوزان حدود الزمان والمكان.
من أزقة جباليا إلى ميادين الحقيقة
نشأ أنس الشريف في أزقة وحارات مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع، حاملاً منذ طفولته حلم العودة إلى بلدته الأصلية عسقلان المحتلة "المجدل".
في وصيته، استحضر ذكريات النشأة ومعاناة اللجوء، مؤكدًا أنه عاش الألم بكل تفاصيله وذاق الفقد مرات عديدة، لكنه ظل وفيًا للمبدأ الذي حمله: نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، حتى وإن كان الثمن حياته.
وصية القلب والدم
في نصه الأخير، وجّه الشهيد وصايا تختصر رسالته الصحفية والوطنية، حيث أوصى بفلسطين وأهلها، وبأطفالها الذين سحقهم الاحتلال تحت أطنان من القنابل والصواريخ، ودعا إلى عدم السماح للقيود والحدود بأن تكسر عزائم الأحرار، بل أن يكونوا جسورًا نحو تحرير الأرض والإنسان.
كما أوصى بأسرته، مخصّصًا كلمات مؤثرة لوالدته، وزوجته، وابنته الصغيرة "شام"، وابنه "صلاح"، طالبًا من الجميع أن يكونوا سندًا لهم بعد رحيله.
لم ينسَ زوجته "أم صلاح" التي وصفها بأنها ثابتة كجذع زيتونة، تحملت الغياب وقسوة الحرب بصبر وإيمان.
الموت على المبدأ
"إن متّ، فإنني أموت ثابتًا على المبدأ"، بهذه العبارة ختم أنس الشريف وصيته، مجددًا رضاه بقضاء الله، ويقينه أن ما عند الله خير وأبقى.
طالب بالمغفرة والرحمة، وألا ينساه أحد من الدعاء، تمامًا كما طالب بألا تُنسى غزة، تلك المدينة التي نذر حياته ليكون صوتها للعالم.
رسالة تتحدى الرصاص
رحل أنس جسدًا، لكن كلماته ووصيته ستبقى شاهدًا على بشاعة الاحتلال، وعلى ثبات الكلمة الحرة أمام محاولات التكميم.
رسالته الأخيرة ليست مجرد وداع شخصي، بل وثيقة إنسانية وسياسية، تلخص معاناة شعب، وصمود صحفيين حملوا أرواحهم على أكفهم لنقل الحقيقة، في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية.
وبينما يوارى جثمانه الثرى، يظل صوته يتردد: "لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم".
https://www.facebook.com/ans.al.alshryf.2025/posts/742894491929169?ref=embed_post