منذ السابع من أكتوبر 2023، ما زالت أزمة المختطفين الإسرائيليين في غزة تتصدر المشهد السياسي والاجتماعي في إسرائيل، وتلقي بظلال ثقيلة على الحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو.

ورغم مرور ما يقارب السنتين على الهجوم الذي أسفر عن أسر العشرات، لا تزال عائلات هؤلاء الرهائن تعيش على أمل وقلق، في ظل مؤشرات متزايدة على أن أعداد الأحياء منهم تتناقص مع استمرار الحرب والتصعيد العسكري.

ومع توالي الشهور دون انفراجة حقيقية، أخذت المطالب الشعبية بإنهاء هذه المأساة منحى أكثر حدّة وتصعيدًا.

في هذا السياق، أعلنت قناة 13 الإسرائيلية أن عائلات المختطفين ستقوم بتحرك غير مسبوق في السابع عشر من الشهر الجاري، يتمثل في تعطيل مرافق الاقتصاد الإسرائيلي عبر إضرابات ووقفات احتجاجية واسعة.

هذا القرار جاء بعد أشهر من المظاهرات والمسيرات التي لم تفلح في دفع الحكومة نحو صفقة تبادل أسرى عاجلة، ما جعل العائلات تلجأ إلى سلاح الضغط الاقتصادي باعتباره الوسيلة الأخيرة للفت انتباه السلطة، وإجبارها على اتخاذ قرار يضع حياة المختطفين فوق الحسابات السياسية.

 

تصاعد الغضب الشعبي

المظاهرات المناهضة لنتنياهو لم تعد حكرًا على المعارضة السياسية أو النشطاء الليبراليين، بل انخرطت فيها فئات واسعة من المجتمع، وفي مقدمتها عائلات الأسرى.

في تل أبيب، القدس، وحيفا، تتكرر الاحتجاجات أسبوعيًا، يرفع فيها المتظاهرون لافتات تطالب بـ"وقف الحرب الآن" و"إعادة الأسرى بأي ثمن".

وفي بعض الأحيان، تحولت هذه المظاهرات إلى اعتصامات مفتوحة وقطع للطرق، في مشهد يعكس عمق الاحتقان الشعبي تجاه سياسات الحكومة.

 

المعارضة الإسرائيلية وموقفها من نتنياهو

قادة المعارضة، مثل يائير لابيد وبيني غانتس، انتقدوا بشدة ما وصفوه بـ"المماطلة السياسية" في ملف الأسرى، مؤكدين أن استمرار العمليات العسكرية دون أفق تفاوضي جاد يهدد حياة من تبقى منهم على قيد الحياة.

وداخل الكنيست، تصاعدت الأصوات المطالبة بالكشف عن حقيقة الوضع الميداني، ووقف استغلال الملف لأغراض سياسية. حتى بعض الوزراء في الحكومة الحالية أبدوا تحفظاتهم على أسلوب إدارة الأزمة، ما كشف عن انقسامات واضحة داخل التحالف الحاكم.

 

خطة الإضراب الاقتصادي

التحرك المعلن في 17 من الشهر الجاري يهدف إلى شل حركة الاقتصاد الإسرائيلي بشكل واسع. الخطة تشمل تعطيل الموانئ، شل حركة المواصلات العامة، إغلاق بعض المؤسسات الخاصة، وتنظيم وقفات أمام مقار وزارات حساسة.

الهدف، بحسب المنظمين، هو "إجبار الحكومة على التحرك فورًا، أو مواجهة خسائر اقتصادية قد تتجاوز قدرتها على الاحتمال".

هذا النهج التصعيدي يحمل في طياته رسالة واضحة: حياة الأسرى خط أحمر لا يقبل التأجيل أو المقايضة.

 

المظاهرات الأخيرة وتنامي الاحتجاجات

في التاسع من أغسطس 2025، شهدت تل أبيب مظاهرة ضخمة ضد خطة نتنياهو العسكرية لاحتلال مدينة غزة، شارك فيها آلاف الإسرائيليين الذين دعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإبرام اتفاق تبادل أسرى سريع.

وبعدها بيوم، خرج ما يقارب 100 ألف متظاهر في أكبر احتجاج منذ بداية العام، معتبرين أن استمرار الحرب يعني "حكمًا بالإعدام" على المختطفين.

 

الضغوط الداخلية والدولية

الضغوط لم تقتصر على الداخل الإسرائيلي؛ المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة وقطر ومصر، يكثف وساطاته للوصول إلى "صفقة أخيرة" تتضمن تبادل الأسرى مقابل انسحاب تدريجي من غزة.

وفي الوقت نفسه، حذرت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية من أن استمرار العمليات العسكرية يفاقم الأزمة الإنسانية ويعرض حياة الرهائن لخطر جسيم.

 

التحليل السياسي للأزمة

تحرك 17 أغسطس يمثل نقطة تحول في أسلوب المواجهة بين الشارع والحكومة. فبعد شهور من الاحتجاجات دون نتائج ملموسة، اختارت عائلات الأسرى اللجوء إلى الضغط الاقتصادي كخيار استراتيجي.

هذه الخطوة قد تدفع الحكومة إلى الإسراع في المفاوضات، لكنها في الوقت ذاته تنطوي على مخاطر سياسية، إذ يمكن أن تزيد من انقسام المجتمع الإسرائيلي، وتضعف الجبهة الداخلية في ظل استمرار العمليات العسكرية.

وفي النهاية فإن إعلان عائلات المختطفين عن تعطيل الاقتصاد في 17 من الشهر الجاري ليس مجرد فعل احتجاجي، بل هو إنذار سياسي وأخلاقي لحكومة نتنياهو. فإما أن تتحرك سريعًا لإبرام صفقة تضمن عودة الأسرى، أو تواجه تصعيدًا شعبيًا واقتصاديًا قد يعصف بما تبقى من استقرارها.

الأزمة لم تعد قضية إنسانية فحسب، بل تحولت إلى اختبار لمدى قدرة الدولة على موازنة الأمن القومي مع القيم الإنسانية، وسط ضغط شعبي غير مسبوق ووساطات دولية لا تحتمل المزيد من التأجيل.