في مشهد يتكرر كثيراً في عهد قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، أطلق أهالي حي ميناء العريش بمحافظة شمال سيناء نداءات استغاثة بعد بدء تنفيذ قرارات تهجيرهم من منازلهم، بحجة تنفيذ خطة تطوير الميناء والمنطقة المحيطة به، وبحسب شهادات الأهالي، بدأت الجهات التنفيذية منذ أوائل يوليو 2025 بإخطار السكان بضرورة إخلاء منازلهم خلال أيام قليلة دون وجود بدائل سكنية واضحة أو تعويضات عادلة، مما تسبب في حالة من الغضب والتوتر في صفوف الأسر المتضررة.

وفقاً لتقارير محلية، يتراوح عدد الأسر المهددة بالتهجير بين 800 إلى 1200 أسرة، يعيش أغلبهم في المنطقة منذ عشرات السنين، مما يطرح تساؤلات عن مدى احترام الدولة لحقوق الملكية والسكن.

 

"ميناء العريش".. مشروع تطوير أم واجهة لتهجير السكان؟

تأتي عمليات الإخلاء تحت غطاء "تطوير ميناء العريش" الذي أعلنت عنه الحكومة في عام 2021 ضمن خطط "تنمية سيناء"، المشروع يهدف إلى توسيع الميناء وتحويله إلى بوابة تصدير للمنتجات المصرية، بحسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع في فبراير 2024، حيث أشار إلى أن تطوير الميناء سيشمل إنشاء أرصفة جديدة ومنطقة لوجستية ومناطق صناعية.

إلا أن المعارضة تؤكد أن المشروع أصبح أداة لطرد السكان دون اعتبارات إنسانية، خصوصاً أن هناك تقارير تشير إلى تخصيص بعض الأراضي المأخوذة لصالح شركات تابعة للجيش، ويرى مراقبون أن "التنمية في سيناء باتت تُنفذ بمنطق أمني لا تنموي"، في ظل غياب الشفافية والمشاركة المجتمعية.

 

شهادات موجعة من السكان.. "نتهجّر بلا ذنب"

رصدت منظمات حقوقية وشبكات محلية عدة شهادات مؤثرة لأهالي الحي، حيث قال أحد السكان: "نعيش هنا منذ أكثر من خمسين عاماً، فجأة يقولون لنا اخرجوا لأن المكان سيُهدم!"، بينما أوضحت سيدة مسنّة أن منزلها بُني بجهود أسرتها منذ عقود، وأن ما يتلقونه من وعود لا يتجاوز كلمات على الورق دون ضمانات فعلية.

اللافت أن الحكومة لم تعلن حتى الآن عن خريطة واضحة للتعويضات أو البدائل السكنية، مما يعزز الشكوك في أن الهدف من التهجير ليس المصلحة العامة، بل السيطرة على الأراضي لأغراض أمنية وتجارية مغلقة أمام الشعب.

 

صمت رسمي..

على الرغم من تصاعد الغضب، لم يصدر أي تعليق رسمي واضح من رئاسة الانقلاب أو مجلس الوزراء حول أزمة تهجير حي ميناء العريش، بينما اكتفت محافظة شمال سيناء ببيان مقتضب أكدت فيه "تنفيذ توجيهات الدولة بشأن تطوير الميناء والمناطق المحيطة بما يخدم الأمن القومي".

هذا الصمت قابله انتقادات حادة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر هاشتاغ "#ميناء_العريش و "#تهجير_سيناء منصات تويتر وفيسبوك خلال الأيام الماضية.

الكاتب الصحفي وائل قنديل علّق قائلاً: "السيسي يهجّر شعبه بحجة التنمية، بينما التنمية الحقيقية هي التي تبني الإنسان لا تطرده." كما وصف المحامي خالد علي التهجير بأنه "غير دستوري وينتهك المادة 63 من الدستور التي تحظر التهجير القسري لأي مواطن إلا في حالات الضرورة القصوى".

 

التهجير.. سياسة ممنهجة في عهد السيسي

لا تعتبر هذه الحادثة الأولى، فقد سبق أن تعرض سكان مثلث ماسبيرو، وجزيرة الوراق، وأجزاء من العريش ورفح والشيخ زويد لعمليات تهجير مماثلة منذ عام 2014.

ووفقاً لتقرير صادر عن "هيومن رايتس ووتش" في أغسطس 2021، فإن القوات المسلحة المصرية قامت بتدمير آلاف المنازل في شمال سيناء تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، مما أدى إلى تشريد عشرات الآلاف من السكان.

كما أشار تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2023 إلى أن نسبة السكان المتضررين من مشروعات "إعادة التخطيط" الحكومية ارتفعت بنسبة 43% منذ عام 2015، وهو ما يثير القلق بشأن مستقبل العدالة الاجتماعية في البلاد.

 

التنمية لا تبرر الظلم..

وسط تصاعد الأصوات المنددة بالتهجير، دعت منظمات حقوق الإنسان، من بينها "المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية"، الحكومة إلى وقف عمليات الإخلاء الفوري لحين توفير بدائل حقيقية وتعويضات عادلة، كما طالبت بفتح حوار مجتمعي مع السكان وإشراكهم في خطط التنمية بدل فرضها بالقوة.

ويرى محللون أن استمرار الدولة في هذا النهج سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان في شمال سيناء، المنطقة التي عانت لسنوات من العمليات العسكرية والفراغ التنموي، وأن التنمية الحقيقية لا يمكن أن تُبنى على أنقاض البيوت وأحلام المواطنين.

ولا يزال سكان حي ميناء العريش ينتظرون صوتاً من الدولة يسمع استغاثتهم:

نحن لسنا ضد التنمية.. لكن لا تجعلوا منّا ضحاياها.