أثار فيلم "نسور الجمهورية" الجدل بين المحللين والسياسين الذين اعتبروا أنّ عرض فيلم يتناول النظام العسكري القائم، سابقة لم تحدث بتاريخ الفن المصري، معربين عن ترقبهم لعرض أحداثه بالمهرجان العالمي يوم 19 مايو الجاري، ومؤكدين أنه: "يمنح الكثير من التفاؤل للمعارضة المصرية، التي تعاني من عدم وصول صوتها للعالم الخارجي".

يُعد فيلم "نسور الجمهورية" أول عمل سينمائي يناقش مسألة الحكم العسكري في دولة كبيرة ومحورية مثل مصر، أثناء حكم السيسي وفي حياته، بهذا الشكل الجريء والجديد.

وعلى الرغم من الدعم الأوروبي المتواصل لعبدالفتاح السيسي لاستقرار نظامه، فمن المثير أن يكون الدعم المالي والإنتاجي لهذا الفيلم أيضًا أوروبيًا، في مفارقة تعكس تعقيد العلاقة بين الغرب والنظم السلطوية في المنطقة.

يشارك الفيلم المصري “نسور الجمهورية” في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الثامنة والسبعين، بعرض عالمي أول مقرر يوم 19 مايو 2025، ليكون بذلك أحد أبرز الأعمال العربية المنافسة على جائزة السعفة الذهبية لهذا العام.

تدور أحداث الفيلم حول جورج فهمي، نجم سينمائي يُجبر على المشاركة في فيلم دعائي تنتجه المؤسسة العسكرية، لكنه يدخل في علاقة مع زوجة الجنرال المسؤول عن العمل، لتتعقد حياته الشخصية والمهنية وسط صراع بين الواقع والدعاية.

العرض الترويجي

خلال العرض الترويجي للفيلم الروائي الطويل، الذي أطلقه صناع الفيلم عبر الإنترنت الجمعة الماضية، ولاقى تفاعلا واسعا، بين المعارضين المصريين؛ هتف الكومبارس باسم السيسي ورفعوا صوره، بل وظهر بصورته الحقيقية رئيس النظام الانقلابي، عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلابا على السلطة المدنية الأولى بتاريخ البلاد الحديث منتصف 2013، واستولى على حكم البلاد حتى عام 2030.

[https://youtu.be/oABRv5J9Eyc](https://www.blogger.com/blog/post/edit/4476304132469988251/3104969692347318277?hl=ar#)

يفضح النظام السلطوي

في تصريحات صحفية، أكد المخرج طارق صالح أن الفيلم لا يهاجم النظام، بل يسعى لفهم ديناميكيات الدولة من الداخل، من خلال شخصيات واقعية تعيش في منطقة رمادية بين القهر والمقاومة.

وأضاف: “الفن عندما يُستخدم كأداة دعائية يفقد روحه، لكن أبطاله يظلون بشرًا حقيقيين، تتقاذفهم السلطة كما تتقاذف أي فرد آخر في المجتمع”.

وقال المرشح الرئاسي السابق أيمن نور " أن الفيلم يناقش الفيلم قضية الحكم العسكري في مصر، على عهد الحاكم الحالي، وهو لا يزال على الكرسي، فذلك زلزال فني وسياسي وأخلاقي، تتجاور فيه عدسة الكاميرا مع فوهة البندقية، وتتقاطع فيه مشاهد الفن مع ملفات المخابرات والرقابة والخوف.

وتابع أن الفيلم ليس مجرّد عمل درامي، بل هو مرآة ساخطة، انكسر عليها وجه النظام المصري، حين قرّر الغرب، للمرة الأولى، أن يدعم فنيًا ما يتغافل عنه سياسيًا، وأن يُنتج فيلمًا يفضح، في لحظة إنتاجه، ما يتواطأ معه في لحظة دعمِه وتمويله.

لحظة فارقة

تمثل مشاركة الفيلم لحظة فارقة للسينما المصرية المستقلة، وتفتح الباب أمام أعمال تلامس الواقع السياسي والاجتماعي دون خضوع للرقابة المحلية، فيما يُتوقع أن يحظى “نسور الجمهورية” باهتمام نقدي وجماهيري كبير خلال عرضه في كان.

وتابع نور مشاركة “نسور الجمهورية” في مهرجان كان ليست لحظة فنية فارقة فحسب، بل لحظة سياسية بامتياز. لحظة تقول فيها السينما المصرية المستقلة كلمتها، بعد أن صمتت طويلاً تحت وطأة الرقابة، والتهديد، وتهم العمالة، والإرهاب، والتشويه.

إعادة الاعتبار للفن

وأوضح المرشح الرئاسي السابق أن ما يفعله طارق صالح هنا، هو إعادة الاعتبار للفن كسلاح مقاومة، وكمنصة للنقد، وكنافذة للتأمل في ديناميكيات السلطة، التي لا تدهس الأعداء فقط، بل تلتهم أبناءها، وتستخدمهم، ثم تلقي بهم، في الظل أو في السجون أو على هوامش التاريخ.

وأردف من كان يتصور أن “النسر”، رمز القوة في شعارات السلطة، يمكن أن يتحوّل في لغة السينما إلى رمز قمع، ودراما، وخسارات إنسانية لا تُحصى؟

ولفت لكنّ هذه هي مهمة الفن الحقيقي: أن ينزع الريش الذهبي عن الطغيان، ليُري الناس جرح الطير، لا جناحه.

صرخة من داخل الضمير الأوربي

ولفت نور أن المفارقة الأبلغ ليست فقط في مضمون الفيلم، بل في مصدر تمويله. فالشركات المنتجة تنتمي لدول أوروبية هي نفسها التي تُقيم علاقات وطيدة مع النظام المصري، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

لكنّ الفن، كالماء، يتسرّب حيث لا يمرّ الخطاب السياسي، وربما لهذا السبب تحديدًا، بدا الفيلم كصرخة مزدوجة: صرخة من داخل السلطة، وصرخة من داخل الضمير الأوروبي.

أبطال العمل

الفيلم من تأليف وإخراج طارق صالح، الذي يستكمل من خلاله ثلاثيته السينمائية عن السلطة في مصر، بعد فيلمي “حادثة النيل هيلتون” و”ولد من الجنة”.

يتقاسم البطولة عدد من النجوم المصريين والعرب، على رأسهم فارس فارس في شخصية جورج فهمي، وتشاركه لينا خودري في دور دونيا، وعمرو واكد في دور الدكتور منصور، ويأتي بعده تميم هيكل في دور رجل الأعمال أبو طالب، أحد رجال الأعمال

المقربين من السلطة، إلى جانب زينب تريكي في دور سوزان.

ويضم طاقم العمل أيضًا شيرين دعيبس، دنيا مسعود (في دور زوجة جورج)، حسام شادات، أحمد خيري، شيروان حاجي، صهيب نشوان، تامر سينجر، وأحمد دياب في دور موظف الاستوديو، بالإضافة إلى حسن السيد (الأسقف القبطي)، محمد نهيمي (حارس الليل)، بدرام حاجي غولي، وهيثم السعدني.

الفيلم من إنتاج مشترك بين لينوس ستور توريل، ليندا موتاوي، يوهان ليندستروم، ألكسندر ماليت-غي، تينا وينهولت، مونيكا هيلستروم، وأوليفييه بير، بالتعاون مع شركات إنتاج أوروبية هي: Unlimited Stories (السويد)، Memento Production (فرنسا)، Bufo (فنلندا)، وProfile Pictures (الدنمارك).

تولى مدير التصوير الفرنسي بيير آيم تصوير الفيلم، فيما قام بالمونتاج ثايس شميت، ووضع الموسيقى التصويرية المؤلف العالمي الحائز على الأوسكار ألكسندر ديسبلات. وصمم الديكور روجر روزنبرغ، والأزياء فيرجيني مونتيل. وأشرف على اختيار الممثلين كل من جيوفاني ليلي ومريم عماري.

تم تصوير “نسور الجمهورية” في عدد من الدول في الشرق الأوسط وأوروبا، نظرًا لتعذر التصوير في مصر بسبب الطبيعة السياسية للموضوع. ويمتد الفيلم لمدة ساعتين وخمس دقائق (2h 5m).