هل انقلب ترامب على نتنياهو؟
الاثنين 12 مايو 2025 02:00 م
بقلم: محمد أبو رمان
انفجار التسريبات الإعلامية عن خلافات بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو بشأن مسارات الأمور في غزّة وسياسات الشرق الأوسط بصورة عامة يأتي عشية زيارة ترامب الخليج (غداً الاثنين؛ إلى كل من السعودية والإمارات وقطر). المشكلة أنّ هذه التسريبات والتقارير مبنية جميعاً على معلومات ومصادر لا يمكن التأكّد منها، لكنها تأتي من منابر إعلامية معتبرة داخل أميركا وإسرائيل. والطريف أنّها تتسق مع أمرين يزيدان المسألة تركيباً؛ الأول، حالة شديدة من "عدم اليقين" تسود وتشيع حالة من الغموض الشديد تجاه تقرير مسار الوضع في غزّة، بل الشرق الأوسط عموماً. والثاني، شخصية ترامب نفسه؛ فهو سريع (وكثير) التقلب.
لا توجد إجابات دقيقة واضحة يقينية لأيٍّ من الأسئلة الكبرى في المنطقة؛ هل ستتجه المفاوضات الإيرانية- الأميركية نحو اتفاق جديد يؤدّي إلى حالة من الاسترخاء الإقليمي؛ أم ستفشل فتصير المنطقة برمّتها على حافَة الهاوية والحرب والتوتّرات؟ هل ستنجح المفاوضات الحالية بإيقاف الحرب على غزّة وإنهاء مشروع التهجير الحالي (كان يؤيده ترامب بل هو من دعا إليه، ولم يتراجع عنه حتى اللحظة علناً!) أم ستفشل الجهود وسيمضي نتنياهو في خطّته للتهجير بضوء أخضر ومباركة من ترامب؟ والحال كذلك في ما يتعلّق بملفاتٍ عديدةٍ لا تقل أهمية؛ الضفة الغربية والقدس ومسألة الضم وإنهاء أي حلم بدولة فلسطينية؟ مستقبل سورية ووحدتها وأجندة نتنياهو هناك؟... وهكذا دواليك، تبدو المنطقة على مفترق طرق، من دون مؤشّرات دقيقة واضحة إلى أين تسير الأمور.
نعم، يمكن لأي محلل سياسي، اليوم، أن يسرد علينا كمّاً كبيراً من المؤشّرات والأدلّة على وجود أزمة كبيرة بين ترامب ونتنياهو (تتحدّث تقارير إعلامية عن قطع الاتصال به)، تباين الموقف من إيران وأردوغان، والاتفاق المنفرد مع الحوثيين في اليمن، فمن الصعب الجدال بقوة تلك الحجج، وقد خصّص الصحافي الإسرائيلي، يوسي فيرتر، مقالاً يسرد فيه حججاً عديدة على تدهور العلاقة بين الرجلين، لكن السؤال الذي يستحق فعلاً التحليل والتفكير؛ إذا وافقنا، جدلاً، على أنّ العلاقة بين الرجلين تدهورت أو في الحدّ الأدنى لم تكن كما كانت أو كان يتوقع نتنياهو؛ وتجاوزنا ذلك إلى السؤال المهم؛ ما الذي أزعج ترامب من نتنياهو وجعله ينقلب عليه، كما تخمّن هذه التقارير؟ هل فعلاً شعر ترامب بأنّه جرى استغفاله، ويربط بعض المحللين هذا التحول بإقالة مستشار ترامب للأمن القومي، مايك والتس، جاءت لاتصالاته المستمرّة، غير الرسمية، مع بنيامين نتنياهو؛ وشعر ترامب أنّ نتنياهو يستخفّ أو يتلاعب به؟
لا تبدو الأسباب المطروحة، للتحوّلات بين الرجلين، مقنعة أو كافية؛ لكن من يعرف؟. فنحن أمام رئيس من الصعوبة التنبؤ بتصرفاته وسياساته (Un predictable)، بالرغم من ذلك، بلغة المصالح الاستراتيجية التي تصوغ سياسات الدول، فإنّ المنطق (الذي يغيب عن السياسات الأميركية عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل، كما يقرّ أحد منظّري السياسة الواقعية الجديدة) يفيد بأنّ الخلافات تكمن في أنّ ترامب وجد أن مصالح أميركا في الشرق الأوسط، خاصة في الجانبين، الاقتصادي والمالي، الذي يفضّله، تتباين مع منظور نتنياهو وأفكاره التي سوّقها عليه في البداية، وأنّ ذلك يقتضي أن يحرّك هو الأخير ويلزمه بالقبول بما يراه هو في مصلحة كل من أميركا وإسرائيل معاً، وربما هذا يعيدنا إلى الخلافات التي تفجّرت سابقاً بين إدارة بايدن ونتنياهو، أثّرت على العلاقة بينهما وعلى تصوّرات أميركا لنهاية الحرب في غزّة، لكنّها لم تؤثر على الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل.
هنا يأتي السؤال الثالث والأخير؛ إلى أي مدىً يمكن أن تؤثر هذه التغيّرات في العلاقة الشخصية على سياسات أميركا في المنطقة؛ وهل سيُحدث هذا هنالك تصوّراً أميركياً مختلفاً للمنطقة عن ذلك الذي يحمله نتنياهو ويمينه، وكان يشعر أنّه في الطريق إلى تحقيقه في "تغيير وجه الشرق الأوسط"؟
تحمل زيارة ترامب الخليج في الأسبوع الحالي قدراً كبيراً من الأهمية، وستخفّف من حالة الغموض السائدة؛ لكن من السذاجة بمكان توسيع دائرة التوقعات والتحليلات المبنية على الخلافات الشخصية، لتشمل تحولاً جذرياً في السياسات الأميركية. وهنا بيت القصيد، فالمشكلة في إسرائيل ليست في نتنياهو، بل هنالك يمين إسرائيلي مهيمن ومعسكر سلام منهار، وتحوّلات كبرى في إسرائيل من فكرة إقامة دولة فلسطينية، بأي صورة كانت، وهنالك فريق يميني حول ترامب سيؤثر عليه في نهاية اليوم. وهنالك أيضاً مصالح أميركية ثابتة في المنطقة؛ وهنالك لوبي صهيوني كبير ومؤثر؛ أقصى ما يمكن أن نأمله إنهاء معاناة أهل غزّة الإنسانية الكبرى، وإعادة تشغيل المساعدات، وتجاوز سيناريو التهجير كما طرحه ترامب، ولو إلى حين.