وثّق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ما وصفها بـ"جريمة إعدام مباشرة بدوافع انتقامية"، ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق شاب فلسطيني مدني في قطاع غزة، بعد رفضه المتكرر لعروض قدمها له جهاز المخابرات الإسرائيلي للتجسس.

الشاب، محمد إياد طباسي (24 عامًا)، كان يعمل عامل نظافة في المستشفى الميداني ببلدة الزوايدة وسط قطاع غزة، ولم يكن يحمل أي صفة عسكرية أو أمنية. صباح الثلاثاء، خرج محمد من خيمته المؤقتة في مخيم النزوح متحدثًا عبر الهاتف، قبل أن يُستهدف بشكل مباشر بصاروخ من طائرة مسيّرة إسرائيلية، حولت نصفه السفلي إلى أشلاء. الهاتف الذي كان يحمله تحطم واحترق في مكانه.

 

عروض للتخابر وتهديدات لاحقة

بحسب شهادات عائلته، والتي وثّقها المرصد الحقوقي، تلقى محمد قبل شهر من اغتياله اتصالات متكررة من رقم غريب، لم يكن فلسطينيًا. في أول اتصال، ادّعى المتحدث أنه "يريد مساعدته ماديًا لتجاوز ظروفه الصعبة وتكاليف زواجه"، مقابل "التعاون وتقديم معلومات". ظن محمد في البداية أنها مزحة من صديق له، فتعامل مع المتصل بسخرية، ليرد عليه الأخير: "أنا ضابط مخابرات يا حيوان"، وهو ما دفع محمد لإغلاق الهاتف وهو يرتجف من الخوف، بحسب إفادة أحد أفراد العائلة.

لاحقًا، توالت الاتصالات من نفس الرقم، لكن محمد تجاهلها. في يوم الاثنين الذي سبق اغتياله، وردت له مكالمتان لم يرد عليهما. وفي صباح الثلاثاء، خرج من الخيمة لإجراء مكالمة، ليتم استهدافه بعدها بلحظات، حسبما أفادت شقيقته وجيرانه.

 

صاروخ بديل عن المحكمة

يقول أحد جيران العائلة: "رأيت محمد يتحدث في الهاتف بينما يصعد إلى تلة رملية قريبة من المخيم. وبعد نحو دقيقتين، دوى انفجار عنيف. وجدناه لاحقًا ملقى على الأرض، ممزق الجسد ومحترق الهاتف". هذا الاستهداف المباشر، وفق المرصد، يعكس "جريمة قتل عمد خارج نطاق القضاء"، و"انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ حماية المدنيين".

المرصد أكد أن الشاب لا ينتمي لأي تنظيم، ولم يكن يشكّل خطرًا أمنيًا، ما يعزز أن اغتياله تم بدافع عقابي لرفضه التخابر، في مشهد يتكرر في مناطق النزاع، لكنه يبقى نادرًا في وضوح دوافعه وعلانية وسيلة تنفيذه.

 

نمط متكرر من جرائم التصفية

وأشار المرصد إلى أن ما جرى مع طباسي ليس حادثًا فرديًا، بل يعكس نمطًا متصاعدًا، وثقته المنظمة في عدة إفادات أخرى، حيث جرى تصفية معتقلين فلسطينيين بعد الإفراج عنهم لرفضهم التعاون مع المخابرات الإسرائيلية، كما طالت اعتداءات انتقامية أفرادًا من أسرهم.

وأكد المرصد أن إسرائيل "تستخدم أسلوب الإغراء أولًا، ثم التهديد، وأخيرًا التصفيات الجسدية بحق من يرفض التجسس"، وهي ممارسة "تشكل جريمة حرب مكتملة الأركان"، خاصة حين تطال مدنيين لا صلة لهم بالنشاط العسكري، كما تنتهك حقهم في الحياة وكرامتهم الشخصية.

 

دعوات لتحقيق دولي وفرض عقوبات

المرصد الأورومتوسطي طالب بفتح تحقيق دولي عاجل ومستقل في هذه الجريمة وسواها من الجرائم المماثلة، مؤكدًا على ضرورة محاكمة المسؤولين الإسرائيليين عن انتهاك حقوق المدنيين.

كما دعا المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية على إسرائيل، تشمل حظر تصدير الأسلحة إليها أو استيرادها منها، ووقف كافة أشكال التعاون معها، وتجميد أصول المسؤولين المتورطين في الجرائم وتحريضهم عليها.