خلص استطلاع أجرته "CNBC عربية"، في إبريل الماضي، وشمل 10 من المحللين وخبراء الاقتصاد في بنوك وشركات استثمار، إلى أن رفع أسعار المحروقات في مصر سيدفع التضخم لمواصلة الارتفاع.

واتفق نصف المشاركين على أن التضخم في المدن المصرية سيواصل الارتفاع بصورة هامشية خلال الشهر الماضي مدفوعًا بتأثير رفع أسعار المواد البترولية على العديد من السلع والخدمات الأساسية.

وكانت حكومة السيسي قد أقرت زيادة جديدة في أسعار المحروقات خلال إبريل الماضي بنسبة تصل لنحو 15%، بزعم أن هذه الزيادة تأتي ضمن خطة حكومية لترشيد دعم المواد البترولية والوصول لأسعار التكلفة بنهاية العام الجاري.

زيادة الأسعار شملت جميع أنواع البنزين والسولار، وبلغت قيمة الزيادة جنيهين للتر، وحسب الأسعار الجديدة، صعد سعر بنزين "95" من 17 جنيهًا إلى 19 جنيهًا للتر، وبنزين "92" من 15.25 جنيه إلى 17.25 جنيه للتر، وبنزين "80" من 13.75 جنيه إلى 15.75 جنيه للتر. كما رفعت سعر السولار من 13.5 جنيه إلى 15.5 جنيه للتر، وسعر طن المازوت من 9500 جنيه إلى 10500 جنيه للطن.

سجلت معدلات التضخم في المدن 13.6% في مارس الماضي صعودًا من 12.8% في فبراير وذلك بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

 

ارتفاع التضخم إلى 16%

تتوقع هبة منير، محللة الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار HC، أن يرتفع التضخم بنسبة طفيفة في إبريل إلى 13.8% على أساس سنوي بسبب تداعيات رفع أسعار المحروقات تزامنا مع موسم الأعياد، وذلك على أن يستقر التضخم حول مستويات 14% في المتوسط خلال الربع الثاني من 2025 مع إمكانية حدوث تسارع نسبي على أساس شهري خلال تلك الفترة.

رئيس قسم الأبحاث في شركة CI كابيتال، منصف مرسي، رجح استمرار ارتفاع التضخم خلال الشهر الماضي ليصل إلى ما يتراوح بين 15% إلى 16% على أساس سنوي بسبب زيادة أسعار المحروقات.

ويتوقع 40% ممن شملهم الاستطلاع أن يتجه التضخم في المدن نحو التباطؤ في إبريل بدعم من تأثير سنة الأساس واستقرار سعر الصرف، حيث بلغت معدلات التضخم في إبريل 2024  مستويات مرتفعة عند 32.5%.

يرى رئيس استراتيجيات الأسهم في شركة ثاندر المالية، عمرو الألفي، أن التضخم سيعاود التباطؤ في إبريل مسجلًا 13.4% على أساس سنوي.

ويضيف أن الزيادة الأخيرة في أسعار البنزين قد تضيف لمعدلات التضخم حوالي 0.4% بشكل مباشر، لكن التأثير الثانوي الناتج عن ارتفاع أسعار سلع وخدمات أخرى، مثل المواد الغذائية نتيجة زيادة تكلفة النقل، قد يدفع التضخم إلى مستويات أعلى، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق".

ويتفق معه الخبير المصرفي، محمد عبد العال، الذي يتوقع تراجع التضخم بنسبة طفيفة تبلغ 0.5% خلال إبريل في ظل تراجع أسعار عدد من السلع الغذائية أبرزها الدواجن واللحوم.

وعن مسار التضخم خلال الربع الثاني من العام، يتوقع 40% من المشاركين في الاستطلاع أن يشهد استقرارًا نسبيًا خلال الفترة من إبريل حتى يونيو القادم سيما مع استمرار تدفقات النقد الأجنبي واستقرار سوق الصرف.

"اتجاهات التضخم ستميل إلى الاستقرار خلال الربع الثاني من العام الحالي" بحسب توقعات الرئيس التنفيذي لاستثمارات الدخل الثابت في NI كابيتال، محمد الشربيني، ويتفق معه مدير وحدة أدوات الدين في نير للاستشارات محمد النجار.

يرجح 30% من المشاركين أن يواصل التضخم الزيادة خلال الربع الثاني من العام في ظل استمرار تداعيات رفع أسعار المحروقات، بينما يرى الباقون أن معدلات التضخم ستتجه نحو التباطؤ بدعم من مساعي الحكومة لضبط الأسواق.

يتوقع البنك المركزي المصري استمرار انخفاض التضخم خلال عامي 2025 و2026، وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالربع الأول من عام 2025 بسبب تأثير إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة المنفذة والمقررة لعام 2025.

كما أكد المركزي أن توقعات التضخم تظل عُرضة للمخاطر الصعودية في ظل احتمال تجاوز إجراءات ضبط المالية العامة تأثيرها المتوقع، فضلًا عن حالة عدم اليقين بشأن تأثير الحرب التجارية الصينية الأمريكية الحالية والتصعيد المحتمل للصراعات الجيوسياسية الإقليمية.

 

مخصصات دعم الوقود

قيمة دعم المواد البترولية خلال النصف الأول من العام المالي الحالي 2024-2025 بلغت حوالي 71 مليار جنيه، بحسب التقرير النصف السنوي لوزارة المالية.

مجدي طلبة، عضو المجلس التصديري للملابس الجاهزة قال إن "قطاع الملابس الجاهزة تأثر بشكل كبير من زيادة سعر الوقود الأخير، ويتوقع زيادة بين 5% و10% بتكلفة النقل عما هو موجود الآن، ويجب على الحكومة عدم إجبار المصانع على التأمين الإجباري للعاملين للتخفيف عنهم".، وفقًا لـ"اقتصاد الشرق".

تستهدف حكومة السيسي خفض مخصصات دعم الوقود بمشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2025-2026 إلى 75 مليار جنيه، وفقًا لبيان صدر عن مجلس الوزراء مؤخرًا.

 

تأثير ملحوظ على أسعار السلع

أستاذ اقتصاديات التمويل بجامعة القاهرة، حسن الصادي قال إن رفع أسعار المواد البترولية سيرفع كلفة عدد كبير من السلع والمنتجات في السوق ما بين 10% إلى 15%، مما سيرفع التضخم. وأضاف: "السوابق التاريخية تؤكد ذلك".

وقال الصادي: "كان يجب خفض أسعار المواد البترولية أو على الأقل الإبقاء عليها وليس زيادتها، خاصة في ظل تراجعها عالميًا، لأن ذلك كان سيسهم في تثبيت الأسعار وكبح جماح التضخم، مما يعطي الأريحية للبنك المركزي في خفض الفائدة كما كان متوقعًا. وألمح إلى أن "الأخطر من تسبب زيادة أسعار المحروقات في رفع معدلات التضخم هو أن الجنيه سيضعف أكثر وقد يصل الدولار الواحد إلى 58 جنيهًا بنهاية 2025".

عقب القرار وزيادة سعر أسطوانة البوتاجاز التجارية، ارتفعت أسعار الخبز السياحي بنسبة 10%، بحسب خالد صبري، المتحدث باسم شعبة المخابز باتحاد الغرف التجارية، مضيفًا: "بعض المخابز قد تلجأ إلى تخفيض وزن الرغيف بمقدار 10 جرامات، لتجنب الخسائر دون اللجوء إلى رفع الأسعار".

 

ضغوط تضخمية

سارة سعادة، كبيرة محللي الاقتصاد الكلي في شركة "سي آي كابيتال"، ترى أن رفع أسعار المحروقات سيخلق بعض الضغوط التضخمية، ولكنها متوقعة خاصة أن خطة رفع أسعار المحروقات معلنة منذ أكتوبر الماضي.

ولكنها أشارت إلى أن التذبذبات الحادة في الأسواق العالمية خلال الفترة الأخيرة، ولا سيما تراجع أسعار النفط إلى ما دون 60 دولارًا للبرميل، تسببت في بعض التخبط، خاصة أن الزيادة المحلية في أسعار الوقود جاءت أعلى من الـ10%.

سعادة أضافت أن تلك الضغوط التضخمية إلى جانب تقلبات الأسواق العالمية من شأنها أن تدفع البنك المركزي المصري إلى الإبقاء على أسعار الفائدة، خاصة أن قرار خفض الفائدة لن يأتي إلا بعد استقرار المسار الهبوطي للتضخم في البلاد، مرجحة أن يصل متوسط التضخم في مصر خلال العام الجاري عند 15%.

تعتمد لجنة تسعير الوقود في مصر، والتي تأسست في يوليو 2019، في قراراتها بشأن زيادة أو خفض أو تثبيت الأسعار، على متوسط أسعار خام برنت، وسعر صرف الدولار مقابل الجنيه، بالإضافة إلى معدل التضخم في قطاع النقل.

وتستهلك مصر سنويًا 18 مليار لتر سولار، وتزعم حكومة السيسي أن كل لتر يستهلكه المواطن تدعمه الدولة بنحو 5 جنيهات، وهو ما يعني أن قيمة دعم السولار مرتفعة بشكل كبير، حسب مسؤول حكومي.

تعمل إيمان عبد العاطي -السيدة المسئولة عن مأكل ومشرب وتعليم لستة من الأولاد والبنات في مراحل التعليم المختلفة من الابتدائية وحتى الثانوية العامة- أكثر من 10 ساعات يوميًا بأحد المصانع بالمناطق الشعبية لتوفير مصروفات منزلها الأساسية بجانب ما يُقدَّم لها من بعض مؤسسات المجتمع المدني من الجمعيات الخيرية الأهلية.

آية زهير، رئيسة البحوث في "زيلا كابيتال"، تشير إلى أن زيادة كلفة الوقود ستنعكس بشكل مباشر على أسعار السلع والخدمات المختلفة، ما سيتسبب في موجة تضخمية جديدة إلا أنها ستكون أقل عنفًا وتأثيرًا على قراءات التضخم المقبلة مقارنة بسنة الأساس، متوقعة ألّا تتجاوز معدلات التضخم حتى نهاية العام حاجز 15%، والتي ما تزال بعيدة عن معدلات الفائدة الراهنة، ما يجعل الطريق فسيحًا أمام خفضها بدءًا من الاجتماع المقبل بنسب قد تتراوح من 1.5% إلى 2%.

إيمان، لم تيأس من التفكير وما زالت تستقطع وقتًا أكبر من يومها خلال العمل وبالمنزل في كيفية مواجهة التضخم وزيادات الأسعار.. لتنهي حديثها قائلة: "التفكير لن يؤدي لشيء.. ربنا لا ينسى دائمًا عباده".