كشف العديد من الخبراء والمراقبين عن العديد من الأسباب التي تدفع مصر لبيع أصولها، خاصة مع اقتراب وصول بعثة صندوق النقد الدولي للقاهرة، لإجراء المراجعة الخامسة لاقتصاد البلاد، ودعم اقتصاد مصر المهترئ بثمانية مليارات دولار.
مشروعات إنشائية وترفيهية
ويؤكد خبراء ومراقبون لمسيرة الاقتصاد المصري في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي (2014- 2030)، أنه: "منذ توجهه نحو مشروعات إنشائية وترفيهية عملاقة، تفوق إمكانيات وقدرات ودخل وإيرادات الدولة المصرية، كشق تفريعة قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة، والعلمين الجديدة، وما يرتبط بهما من مشروعات وخطوط نقل وطرق مواصلات وغيرها، ازدادت الفجوة القائمة بين إيرادات الدولة ومدخلاتها".
ويوضحون أنه: "نتيجة لذلك الوضع ولإصرار الجمهورية الجديدة على استكمال مشروعاتها، جرى استهلاك الكثير من الرصيد النقدي والمنح والمعونات الخليجية والغربية التي تفوق 50 مليار دولار، وفق بعض التقديرات".
إلى ذلك، لجأت الحكومة للاقتراض الخارجي من صندوق النقد والبنك الدوليين، وبعض البنوك والمؤسسات الدولية المقرضة، بجانب دول خليجية وأوروبية والصين.
ودخل الاقتصاد دائرة الديون الخارجية مع أول قرض لحكومة السيسي، في نوفمبر 2016، بقيمة 12 مليار دولار، لتتوالى القروض، وتحصل مصر حتى عام 2021 على 20 مليار دولار من الصندوق الذي رفع لها قرضًا من 3 إلى 8 مليارات دولار، بالربع الأول من العام الماضي.
نتيجة لسلسة القروض المتواصلة حتى الآن، وصل الدين العام بالربع الثالث من 2024 إلى 13.3 تريليون جنيه، فيما بلغ الدين الخارجي 155.3 مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التخطيط.
ومع حلول أقساط وفوائد الديون خاصة قصيرة الأجل منها، دفع صندوق النقد الدولي القاهرة لطرح شركاتها العامة وأصولها الحكومية على شركاء خليجيين، والتخارج من 79 قطاعًا بطرحها أمام مستثمرين استراتيجيين أو بالبورصة المحلية، وفق "وثيقة ملكية الدولة" الصادرة 13 يونيو 2022، لدعم حضور القطاع الخاص في 65 بالمئة من الاقتصاد.
نتيجة البيع وسداد الديون
في 13 مارس 2024 ، اعترف وزير المالية السابق، محمد معيط، أن 50 بالمئة من عائدات برنامج طروحات وبيع الأصول الحكومية، سيخصص لتقليص الدين العام، العام المقبل.
وفي ذات التاريخ من العام الجاري، اعترف وزير المالية الحالي، أحمد كوجك، باستخدام أموال من صفقة رأس الحكمة بسداد بعض الديون الخارجية، معلنا خفض الدين الخارجي بنحو 3 مليارات دولار بسبب الإيراد الاستثنائي من الصفقة.
ويرى مراقبون ومتحدثون أنّ: "مصر مضطرة لمواصلة التفريط بأصولها، مع حلول آجال الكثير من فوائد وأقساط الديون الخارجية، إذ أنه توجب على مصر الوفاء بالتزامات خارجية تقدر بـ43.2 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، وفقا لبيانات البنك الدولي".
ناهيك عن الفجوة التمويلية التي تُقدر بـ10 مليارات دولار في السنة المالية الجارية، وتتسع بمشروع موازنة العام المالي المقبل لأكثر من 25 بالمئة من إجمالي الموازنة البالغ 3.6 تريليون جنيه، نتيجة وجود أقساط وإهلاك القروض المطلوب سدادها، بحسب بيان وزير المالية أمام البرلمان الشهر الجاري، وفقًا لـ"عربي21".
كما يعزز اضطرار القاهرة نحو بيع الأصول والممتلكات وتكرار صفقة رأس الحكمة المثيرة للجدل، تراجع إيرادات قناة السويس بنحو 6 بالمئة على أساس سنوي بالربع الأول من هذا العام إلى 904 ملايين دولار، نتيجة اضطرابات الملاحة بالبحر الأحمر، والتي دفعت بشركات الشحن العالمية لاتخاذ طرق غير المرور من قناة السويس.
ويؤكد مواطنون أن حصيلة بيع الأصول الحكومية والأراضي الاستراتيجية وحتى المستشفيات الحكومية لم تعد عليهم، مشيرين إلى مواصلة حكومة الانقلاب قراراتها بتخفيض الدعم ورفع أسعار الوقود بجميع أنواعه والتي كانت آخرها منتصف الشهر الجاري، بجانب أسعار تذاكر القطارات ومترو الأنفاق وخدمات الاتصالات، وغيرها.
تغيير هيكل ملكية مصر
رئيس "كونسورتيوم رؤية" (تي جي إس 2035 لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا -واشنطن)، علاء الدين سعفان، قدم قراءته الاقتصادية، حول تصاعد وتيرة الحديث عن الطروحات قبيل حضور وفد صندوق النقد الدولي للقاهرة لإجراء المراجعة الخامسة.
وأجاب على التساؤل: متى تكتفي القاهرة من بيع الأصول؟، عارضًا بعض الحلول لوقف تلك الطروحات، كاشفًا عن حجم خسارة مصر من بيع أصولها وممتلكاتها وأراضيها الاستراتيجية.
وقال الخبير الاقتصادي: "قبل مراجعة خامسة أو الخامسة عشر من صندوق النقد الذي لن يترك مصر إلا جثة هامدة؛ هناك موجة جديدة لن تكون الأخيرة من طروحات وبيع الأصول المنتجة والمربحة من جسد مصر الاقتصادي".، وفقًا لـ"عربي21".
وتوقع أن تكون تلك الصفقات لـ"الإمارات خاصة (ومن وراءها من عجم)، ولباقي دول الخليج التي اشترت مصر كلها في صفقة استحواذ بالتزامن مع آخر الانقلابات الأمريكية في 2013، كانت دفعتها المقدمة نحو 300 مليار دولار أمريكي سُددت على أقساط لعشرات الشخصيات من ورثة الأسرة العلوية التي كانت تمتلك مصر قبل الانقلاب الأمريكي الأول في 1952، دونما أي استفادة للخزانة المصرية أو للاجئين المصريين فيما تبقى من مصر".
وأعرب عن أسفه من أنه: "ليس أمام مصر الآن إلا الاستمرار في طرح ما تبقى من الشركات العامة والأصول الحكومية إلى جانب المستشفيات وشركات الأدوية والأراضي الاستراتيجية".
وفي المقابل، كشف ذلك الاضطرار عن أنّ: "استراتيجية إجراء المراجعات لاقتصاد البلاد في إطار قروض لا تنتهي من صندوق النقد نجحت في خنق الشعب المصري، والتضييق عليه، في معيشته بما لم يعد معها لديه من القدرة على فهم ما يحدث من حوله من تغيير هيكل ملكية مصر وأسر حريتها وكسر إرادتها وتحويلها وشعبها إلى مفعول".
ولفت إلى أن ذلك الوضع يجري "في ظل تحولات دراماتيكية في المنطقة، افتقدت الدور المحوري المصري التاريخي لحماية الأمة ومقدساتها، وكأنه قد تم محوها عن خريطة المنطقة، فغالبية شعبنا فقد القدرة على متابعة ما يحدث من حوله وهو يعاني من غيبوبة اقتصادية أفقدته الوعي وشلت حركته وقيدت حريته وأخرست لسانه".
وعن ذهاب تلك الأصول لجهات بعينها، قال إنه: "لم يعد يهم اليوم ما هي جنسية ما يسمى بـ(صناديق الاستثمار) التي تتفاوض لشراء حصص استراتيجية بالمستشفيات الحكومية وشركات الأدوية التي تم طرحها أخيرا".
وأوضح أنّ: "هناك فواتير قديمة مطلوب من الشعب سدادها، وهناك خلف الغُترة والعقال طواقي سوداء صغيرة، تدعي أن لها حقوقًا قديمة في مصر وتطالب باستعادتها".
وعلى الجانب الآخر، يشير إلى أنّ: "القاهرة أدمنت الاقتراض غير المنضبط لسنوات، وجاء وقت التخلص من الأصول من أجل جرعات جديدة، وطالما ليس للمدمن أهل يعالجونه ويخافون عليه فلا حل في الأفق".
وعن حجم خسارة مصر من التنازل عن أصولها الاستراتيجية، ختم حديثه مؤكدًا أنه "غير قابل للقياس، وهو أثمن وأمر وأفدح بكثير من مجرد العمليات الحسابية".