صدق عبد الفتاح السيسي، على اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية بين مصر والإمارات، وهي الاتفاقية التي تتيح تنفيذ الأحكام القضائية على أراضي الدولة التي يحمل المحكوم عليها جنسيتها، إذا ما رغب في ذلك، في خطوة تحمل أبعاداً قانونية وسياسية مثيرة للجدل.

الاتفاقية التي وقّعتها الحكومتان سابقاً، ووافق عليها برلمان السيسي في جلسته المنعقدة بتاريخ 9 مارس الماضي، تضم 19 مادة موزعة على أربعة أبواب تنظم آليات وإجراءات نقل السجناء، وتفاصيل سلطة القرار وآليات تسوية النزاعات، وسط تبريرات رسمية بأنها تهدف إلى "إعادة الاستقرار الاجتماعي" للمحكومين.

لكن التصديق الرسمي على الاتفاقية يأتي في توقيت حساس، تزامناً مع قضية اعتقال الشاعر والناشط السياسي عبد الرحمن يوسف القرضاوي، المحتجز في الإمارات منذ أشهر، وسط مخاوف متصاعدة من أن يُستخدم الاتفاق كأداة قانونية لتسليمه إلى القاهرة، حيث قد يواجه ظروف احتجاز قاسية، وربما محاكمات مسيّسة، على خلفية مواقفه المعارضة للنظام المصري.

عبد الرحمن يوسف... من المنفى إلى المصير المجهول
القرضاوي، نجل الداعية الإسلامي الراحل يوسف القرضاوي، لم يُعرف عنه أي نشاط عنيف أو تحريضي، بل كان حضوره السياسي يقتصر على الشعر والكتابات الناقدة للأنظمة العربية الاستبدادية. إلا أن هذا كافٍ – على ما يبدو – ليكون عرضة للملاحقة في عدة دول عربية.

في 28 ديسمبر 2024، اعتُقل عبد الرحمن في مطار بيروت عقب عودته من سوريا، بعد بلاغ من السفارة اللبنانية في أبوظبي استند إلى طلب إماراتي مباشر، في واقعة أثارت انتقادات حقوقية واسعة، واعتُبرت نموذجاً لما وصفه ناشطون بـ"التنسيق الأمني العربي لقمع الأصوات المستقلة".

وفي 8 يناير 2025، جرى ترحيله قسرياً إلى الإمارات، حيث اختفى عن الأنظار منذ ذلك الحين. لا اتصال، لا محام، ولا معلومات رسمية عن مكان أو ظروف احتجازه، منظمة العفو الدولية وخبراء حقوق إنسان في الأمم المتحدة عبّروا عن قلق بالغ حيال مصيره، محذرين من مخاطر تعرضه للتعذيب أو التسليم القسري إلى مصر.

اتفاقية مثيرة للريبة: أداة قانونية أم غطاء للتسليم؟
رغم أن الاتفاقية الموقعة تُمنح طابعاً إنسانياً من حيث الشكل، عبر تأكيدها على حق المحكوم عليه في طلب النقل إلى وطنه الأصلي، إلا أن غياب أي شفافية حول ظروف احتجاز عبد الرحمن يوسف يثير تساؤلات عن نوايا استخدامها.

المادة المتعلقة بـ"رغبة المحكوم عليه" تبدو – في نظر حقوقيين – نقطة هشة، خصوصاً في ظل احتجاز الشخص في عزلة، ودون تمكينه من التواصل مع محامٍ أو جهة محايدة يمكنها توثيق هذه الرغبة من عدمها.

وفي هذا السياق، قال محامٍ دولي متابع للقضية – طلب عدم ذكر اسمه – إن الاتفاقية قد تُستخدم "لتبييض التسليم السياسي عبر غطاء قانوني"، مضيفًا: "نحن أمام حالة قد تتحول فيها نصوص التعاون القضائي إلى أدوات قمع عابر للحدود، خصوصاً حين تغيب ضمانات المحاكمة العادلة".

سجل مزدوج للبلدين في ملف الحريات
لا يُعرف عن النظامين المصري والإماراتي احترام حقوق المعارضين أو حرية التعبير. بل تشير تقارير المنظمات الحقوقية إلى سجون مكتظة بالصحافيين والنشطاء، ومحاكمات تفتقر إلى أدنى درجات الاستقلالية.

وفي هذا السياق، يقول مراقبون إن الاتفاقية الجديدة ليست سوى حلقة ضمن مسار إقليمي متصاعد من التعاون الأمني لقمع المعارضين، بعد أن ضاقت عليهم المنافي وبدأوا يواجهون الملاحقة حتى خارج حدود بلدانهم.