سجل موسم توريد القمح المحلي لعام 2025 بداية متعثرة، إذ كشفت بيانات رسمية عن تراجع حاد في الكميات الموردة بنسبة 37.4% مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، رغم إعلان الحكومة عن رفع سعر التوريد إلى 2200 جنيه للأردب بزيادة 200 جنيه.

وبلغت الكميات التي وردها المزارعون حتى نهاية أبريل الجاري 466 ألف طن فقط، مقارنة بـ745 ألف طن خلال الفترة ذاتها من موسم 2024، ما يثير مخاوف جدية بشأن قدرة وزارة التموين على تحقيق مستهدفها هذا العام، والبالغ نحو 4 إلى 4.5 مليون طن، في وقتٍ تشتد فيه الحاجة إلى تقليل الاعتماد على الاستيراد في ظل أزمات النقد الأجنبي.
 

ارتفاع السعر لم يمنع العزوف
   رغم أن الحكومة قررت في أكتوبر الماضي رفع سعر التوريد، في استجابة ظاهرية لمطالب المزارعين، فإن الواقع يكشف أن القرار لم يكن كافيًا لضمان جذب القمح المحلي إلى الصوامع الحكومية.

فقد أكد مزارعون في محافظات الوجه البحري والقبلي أن السعر المعلن لا يزال أقل من كلفة الإنتاج الحقيقية، التي ارتفعت هذا العام بفعل زيادات أسعار الأسمدة، والوقود، وتكاليف النقل، في ظل غياب دعم مباشر حقيقي.
 

منظومة مرهقة و"لا تشجع على التوريد"
   مصدر مسؤول بوزارة التموين أرجع هذا التراجع إلى "كثرة الإجازات الرسمية" خلال أبريل، ما عطّل حركة التوريد، لكنه أشار إلى أن الوزارة تتوقع زيادة ملحوظة في الكميات خلال مايو ويونيو، غير أن التفسير يبدو غير كافٍ في ظل استمرار شكوى المزارعين من تعقيدات إدارية، وانتشار السوق السوداء التي تشتري القمح بأسعار أعلى.

كما أشار المصدر إلى دخول جهاز مستقبل مصر التابع للقوات المسلحة ضمن الجهات التي تستلم القمح المحلي لأول مرة، إلى جانب الصوامع التقليدية والبنك الزراعي.
ويطرح هذا التطور تساؤلات حول آليات التوزيع، ومستوى التنسيق بين مختلف الجهات، في ظل تضارب الاختصاصات، وإرباك للمزارعين غير المعتادين على الجهات الجديدة.
 

التوزيع بالأرقام
الوثيقة تكشف عن خريطة توزيع الكميات الموردة حتى الآن، والتي جاءت كالتالي:

  • الشركة المصرية للصوامع: 228.5 ألف طن
  • شركات المطاحن: 191.8 ألف طن
  • البنك الزراعي المصري: 35.1 ألف طن
  • جهاز مستقبل مصر: 8944 طن
  • الشركة العامة للصوامع: 1725 طن فقط
     

السوق المفتوح يهدد السوق الرسمي
   قال خبير في السياسات الزراعية، طلب عدم ذكر اسمه، إن "المنظومة الحالية تفشل في ضبط السوق بسبب الفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي والسعر في السوق المفتوحة، حيث يشتري بعض التجار القمح من الفلاحين بأسعار تتجاوز 2500 جنيه للأردب، خصوصًا في ظل الطلب المرتفع من مطاحن القطاع الخاص".

وأضاف: "إذا لم يتم تعديل السعر الرسمي أو فرض آليات رقابية صارمة على تداول القمح خارج المنظومة، فإن الحكومة ستواجه فجوة أكبر هذا الموسم، وسيتكرر سيناريو اللجوء للاستيراد المكلف".
 

دور جهاز مستقبل مصر.. توسّع عسكري في الأمن الغذائي؟
في نوفمبر الماضي، صدر قرار رئاسي بتكليف جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة باستيراد الحبوب والسلع بدلًا من هيئة السلع التموينية، في سابقة تعكس توسّع نفوذ الجهاز في أحد أخطر ملفات الأمن القومي.

ويشير مراقبون إلى أن الجهاز استورد بالفعل نحو 1.7 مليون طن قمح خلال النصف الأول من العام، ويشارك الآن في تسلم القمح المحلي، وهو ما يعيد طرح تساؤلات حول جدوى هذه المركزية، ومستوى الشفافية في إدارة ملف بالغ الحساسية كالغذاء.