نشرت ميدل إيست آي مقالاً للكاتبة أسيل البجة تتحدث فيه عن التبلّد العالمي تجاه الإبادة المستمرة التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة، بعد مرور أكثر من 18 شهراً على بدايتها.
يفقد العالم تدريجياً إحساسه تجاه معاناة الفلسطينيين. صور الأطفال المذبوحين والجثث المتناثرة والأحياء التي صارت أنقاضاً لم تعد تثير الغضب. يعود ذلك إلى تطبيع النظام الصهيوني الاستيطاني الاستعماري عبر قرن من الزمن، حيث باتت مظاهر الفصل العنصري وأطول احتلال في التاريخ المعاصر تُقابل بإدانات سطحية وتغطية إعلامية منحازة.
يرتبط هذا التبلّد بالعنصرية المتجذرة التي تُجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، فتُختزل معاناتهم في أرقام، ويُعامل اضطهادهم اليومي كأمر عادي. مقارنةً بتعامل الإعلام الغربي مع اللاجئين الأوكرانيين، تبرز ازدواجية المعايير التي تغذيها تصنيفات عنصرية للضحايا.
هذا الترويج للتبلّد يهدف إلى إقناع العالم، بما فيهم المقهورون أنفسهم، بأن العنف ضد الفلسطينيين "طبيعي"، وكأنهم اعتادوا على الحروب والقهر والفقر، بينما حين تُمارس المأساة على غيرهم، تُقابل بالغضب والتعاطف.
في انتفاضة مايو 2021، نشرت نيويورك تايمز عنواناً يقول: "بعد سنوات من الهدوء، انفجر الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لماذا الآن؟"، وكأن كل القمع السابق لم يكن كافياً ليُعتبر صراعاً. وحتى هذا الحد من العنف، الذي يُعرض مباشرة أمام العالم، لم يعد يحرك الكثيرين.
الإبادة لا تظهر فقط في المقابر الجماعية والمنازل المدمرة، بل تتجلى أيضاً في العنف البطيء الذي يلاحق الفلسطينيين منذ عقود: اللاجئون المحرومون من العودة والفقر والحواجز العسكرية والاعتقال وقمع الجنازات واحتجاز جثامين الشهداء في "مقابر الأرقام".
قبول هذه الممارسات كجزء من "صراع دوري" يكرّس هذا العنف ويُطبع معه. ويؤدي إلى تقلب التضامن العالمي، الذي كثيراً ما يرتبط بلحظات نزف دموي مرئي، بينما تستمر المعاناة في الظل.
تحذر الكاتبة من "إرهاق التعاطف" و"التنميل النفسي" نتيجة التعرّض المستمر للأخبار المؤلمة، حيث يفقد الإنسان القدرة على التفاعل، ويبدأ بتمرير أخبار المجازر كما لو كانت عناوين اعتيادية.
معاناة الفلسطينيين لا تتوقف، ولا تتيح حتى لحظات الحزن. وبينما الدفاع النفسي قد يكون طبيعياً، يبقى من الضروري الموازنة بين حماية الذات والاعتراف بآلام الآخرين.
تدعو الكاتبة إلى التمسك بتلك اللحظة التي أثارت في القارئ الغضب أو الدموع أو القلق، وأن تتحول إلى بوصلته للتحرك، لا لمجرد التعاطف المؤقت، بل للعمل المستمر.
المعاناة الفلسطينية ليست حتمية، بل نتيجة منظومة استعمارية يجب تفكيكها. والمطلوب أكثر من وقف إطلاق نار مؤقت، بل كفاح يواجه الاستعمار والأنظمة الداعمة له. فالنوم في وجه الفظائع يُعادل التخلي عن الفلسطينيين، بينما التحرك يعني الدفاع عن إنسانيتنا المشتركة.
في كلماته الأخيرة، كتب الشهيد وليد دقة الذي قضى أربعة عقود في سجون الاحتلال: "الخدر أمام الرعب كابوسي... الشعور بالناس وبألم الإنسانية هو جوهر الحضارة".
https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-genocide-remember-moment-shook-you-caring