نشرت ميدل إيست مونيتور تقريرًا يتناول أزمة هجرة الأطباء المصريين، مسلطة الضوء على حادثة خطيرة تعرض فيها طبيب تخدير للطعن في محافظة الأقصر، جنوب مصر، ما يعكس تصاعد الاعتداءات على الأطباء في البلاد. هذه الحوادث دفعت الكثيرين إلى الاستقالة أو الهجرة، ما أدى إلى خسائر كبيرة في الكفاءات الطبية.

شهدت الفترة الأخيرة اعتداءات عديدة، منها تعرض جراح بمستشفى المنزلة في محافظة الدقهلية للضرب من نائب برلماني، واعتداء مريض على مدير عيادة التأمين الصحي في حلوان. وتسببت هذه البيئة العدائية في ارتفاع أعداد الاستقالات بشكل ملحوظ، حيث استقال 1044 طبيبًا في 2016، و2549 في 2017، و2612 في 2018، و3507 في 2019. ورغم تراجع العدد قليلاً في 2020 ليصل إلى 2968، عاد للارتفاع بعد جائحة كورونا ليبلغ 4127 في 2021، و4261 في 2022، ثم قفز إلى 7000 في 2023، بحسب رئيس نقابة الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي.

خلال هذه الفترة (2016–2023)، قدم أكثر من 28 ألف طبيب استقالاتهم، ما أثر سلبًا على منظومة الصحة العامة، التي تشمل 1798 مستشفى حكومي وخاص. وذكر مستشار الرئيس المصري للشؤون الصحية والوقائية، الدكتور محمد عوض تاج الدين، أن 700 طبيب مصري توفوا خلال الجائحة.

من أصل 220 ألف طبيب مسجلين في النقابة، يعمل نحو 120 ألف بالخارج، ما يعني أن أكثر من نصف الكوادر الطبية المصرية غادرت البلاد. ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجع عدد الأطباء الممارسين داخل مصر إلى 97400 في 2022، مقارنة بـ100700 في 2021، بانخفاض نسبته 3.3%.

تشير نقابة الأطباء إلى أن معدل الأطباء في مصر يبلغ 8.6 لكل 10 آلاف نسمة، بينما المتوسط العالمي هو 23. أي أن هناك طبيبًا واحدًا لكل 1162 شخصًا في مصر، مقارنة بطبيب لكل 434 شخصًا عالميًا، وفقًا لدراسة المجلس الأعلى للجامعات.

يرجع السبب الرئيسي في هذه الاستقالات الجماعية إلى تدني الرواتب، وسوء بيئة العمل، وتكرار الاعتداءات، وضعف الأمن داخل المستشفيات، وغياب التقدير المهني. ويبلغ متوسط الاستقالات اليومية 12 طبيبًا.

يفضل بعض الأطباء، مثل الدكتور أحمد كامل، العمل بالقطاع الخاص، حيث يحقق دخلًا خلال يومين يعادل راتب شهر كامل في مستشفى حكومي. يبلغ راتب الطبيب الحكومي في بداية التعيين 5900 جنيه (نحو 116 دولارًا)، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الحاجات الأساسية، خاصة مع انهيار قيمة العملة (الدولار يساوي 51 جنيهًا تقريبًا).

تشمل الحوافز المالية للطبيب الحكومي 30 جنيهًا بدل عدوى (0.60 دولارًا)، و120 جنيهًا عن النوبة اليومية (2.30 دولارًا)، و185 جنيهًا للنوبة الليلية (3.60 دولارًا). وبعد الحصول على الماجستير، قد يصل الراتب إلى 8000 جنيه (157 دولارًا)، و10000 جنيه (200 دولارًا) بعد الدكتوراه. أما الأستاذ المساعد، فلا يتجاوز راتبه 11000 جنيه (215 دولارًا)، في حين يبلغ راتب الأستاذ الجامعي نحو 15000 جنيه (300 دولارًا).

في المقابل، يحصل الطبيب في الولايات المتحدة على 22000 دولار شهريًا، وفي كندا على أكثر من 15000، وفي الإمارات على نحو 16000، بينما يبلغ في باكستان 650 دولارًا شهريًا، بحسب مواقع دولية.

يعاني الأطباء داخل مصر من ضغوط هائلة، كفحص 50 مريضًا يوميًا أو إجراء العديد من العمليات الجراحية، بينما يُطلب من الأطباء المقيمين العمل 24 ساعة يوميًا، 6 أيام في الأسبوع، دون راحة كافية. أشار الدكتور إبراهيم الزيات، عضو مجلس نقابة الأطباء، إلى وفاة 149 طبيبًا في 2022 بسبب الإرهاق.

يعاني القطاع أيضًا من ضعف البنية التحتية، ونقص الأجهزة والمستلزمات، وقيود على الإجازات، وإجبار الأطباء على العمل في أماكن نائية. مؤخرًا، أثار برنامج تلفزيوني الجدل بعد طرح مشروع قانون لمنع الأطباء من السفر للخارج ما لم يسددوا تكاليف تعليمهم، أو يقضوا من سنتين إلى خمس سنوات في العمل داخل البلاد، وهو ما وصفته النقابة بأنه "عقوبة غبية".

أقر الرئيس عبد الفتاح السيسي سابقًا بضعف رواتب الأطباء، مبررًا ذلك بتحديات البلاد الاقتصادية. ويتخرج نحو 9 آلاف طبيب سنويًا من الجامعات المصرية، ويحلم كثير منهم بالهجرة، ليس فقط لتحسين الدخل، بل أيضًا للحصول على تدريب أفضل، وبيئة آمنة، وتقدير مهني، بعيدًا عن واقع مرير قد يؤدي إلى الوفاة المبكرة.

https://www.middleeastmonitor.com/20250429-why-egyptian-doctors-are-leaving-the-country/